د.ثريا العريض
زميل عراقي أديب تواصل معي من غربته في السويد يعايدني، سألني عن تهديد الملاحة في الخليج واستهداف ناقلات النفط، ونقاش البرلمانيين في النمسا حول إغلاق مركز الملك عبدالعزيز للحوار عبر الأديان في فيينا؛ قال كيف كان عيدكم في وطن وجد الطريق للاستقرار؟
قلت: العيد جاء محملاً بالفرح, كما نتمناه لكل الجوار والعالم المترامي الأنحاء؛ «ليزرع أفراحه في عيون الصغار..
جاء يملأ أهدابهم لهفة وانتظار..
لهم كانت اللحظات البريئة والانتشاء..
بأرجوحة الحب والشوق والانتماء..
وتسأل عن نبضة الحب؟.. عن لهفة الشوق؟
عن روعة الانتماء؟».
قال بأسى: عيدنا ما زال بعيداً عن الفرح.. بل كدنا ننساه.
كان يأتي في طفولتنا سعادة تشرق بها وجوه الجميع.. يتألق في ضحكات الصغار البريئة وفرحتهم بخشخشة العيدية في جيوب الثياب الجديدة.. وتعيد تباشيره الكبار إلى نقائهم الأول.. يتذكر فيه الجار جاره، والغني الفقير، والبعيد آخاه البعيد، والمقيم في وطنه الغريب على أراضيه.
أمسى الفرح يتناقض مع ما نرى ونسمع ونحس.. فبأي عيد نحتفل؟
*
أجل.. قلبي معكم يا صديقي؛ كان العيد يجمع القلوب قبل أن يجمع الأجساد. صار العيد ينسى البعض ولا يحمل لهم مشاعر غير شقاء الغربة والمعاناة؟ العيد يأتي والعيد يمضي يتعب أجسادهم وتظل أرواحهم لا تشعر به! أهي الفرقة تزرع الألم؟.. والاغتراب يملأ القلوب بالإحباط؟ هل تغير الناس بتغير الأوضاع؟
يعود العيد وتعود معه الحقائق التي ألغت قدرتهم على الفرح!
في مواقع الصراعات لم يبق للعيد تلك الروح الطفولية البريئة الفرحة.
صار الفرح من تلك الأشياء النادرة في حياتهم كالهواء الخالي من التلوث والعلاقات المليئة بالصدق, والأوطان المستقرة..
أجل.. قلبي معكم يا صديقي.. العالم العربي حزين! بعض أطرافه يتأزم في احتراقاته, والبعض الآخر لا يستطيع إطفاء اللهيب ولا الابتعاد عنه. والعالم الإسلامي ينقسم بفعل فاعلٍ متقصد شيعاً وأحزاباً تتناحر بعضها ضد بعض فيقوى عليها أعداؤها. وتهزمها الشكليات التي مزقتها حين استبدلت الأخوة الصادقة بالحزبيات المسيّسة. والعالم الأكبر الممتد عبر القارات الخمس تغتال أفراحنا فبه الخلافات والصراعات على النفوذ والماديات..
ولنا دعاء من القلب أن يأتي قريباً العيد الذي نحتفل فيه جميعاً بالأمان والاستقرار.