د.عبدالعزيز عبدالله الأسمري
«سون تزو»، خبير عسكري وفيلسوف صيني عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، ربما يعد أعظم الاستراتيجيين على الإطلاق. وثَّق تعاليمه العسكرية في كتابه «فن الحرب»، وهو كتاب يلخص فلسفته في إدارة النزاعات، والانتصار في المعارك. كان يعلم أن التكتيكات على الرغم من أهميتها، تكون عديمة الجدوى إلى حد كبير إذا لم يكن هناك استراتيجية محددة. وقد يكون الاقتباس الأكثر شهرة من كتابه «فن الحرب» هو أن «الاستراتيجية بدون تكتيكات هي أبطأ الطرق إلى النصر، والتكتيكات دون استراتيجية هي الضجيج قبل الهزيمة»، وهو ما قد نراه في استراتيجيات طرفي النزاع القائم حالياً بين أمريكا وإيران.
صممت إدارة ترامب «استراتيجية أقصى الضغوط» للتغيير المنهجي في الأعمال العدائية والمزعزعة للجمهورية الإيرانية، بما في ذلك عرقلة جميع المسارات المؤدية إلى سلاح نووي وتصدير الإرهاب ، بحيث تنفذ بتكتيكات متنوعة يمارس فيها حملة ضغوط قصوى غير مسبوقة على الجبهات الثلاث للنظام الإيراني، الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية، لتحقق العقوبات الاقتصادية خفض صادرات النفط الإيراني إلى الصفر، ويأتي الضغط الدبلوماسي بعزلها عن الحلفاء بالمنطقة والحلفاء الأوروبيين، وينذرها الضغط العسكري بالثمن الغالي الذي ستدفعه لو قامت أو أحد وكلائها بمهاجمة المصالح الأمريكية أو أعادت العمل لبرنامج التخصيب النووي.
بينما تقضي استراتيجية «البقاء على قيد الحياة تحت العقوبات المفروضة» الإيرانية، بإدارة الاقتصاد على المدى الطويل وتطبيق ما يسمى «اقتصاد المقاومة»، والذي تدير فيه مواردها المالية المتاحة بطريقة تخفف فيها عن الشعب الإيراني الآثار الملموسة للعقوبات وتتجنب وقوع كارثة اقتصادية، آملة أن تتمكن من عزل نفسها عن آثار تلك العقوبات لفترة كافية تتجاوز فيها الإدارة الأمريكية الحالية بأمل دخول زعيم أمريكي جديد للبيت الأبيض.
ومن جانب آخر، تعمل على إعاقة تدفق الطاقة للتأثير سلباً في الاقتصاد العالمي والإيحاء بعدم قدرة أمريكا على ضمان حرية الملاحة الدولية وذلك من خلال استهدافها ناقلات الطاقة في الخليج العربي، بالإضافة إلى محاولة ضرب المصالح الأمريكية وحلفائها بالمنطقة، وما إطلاق الصواريخ على السفارة الأمريكية في بغداد وشن هجمات على المنشآت النفطية والمواقع المدنية في المملكة بالطائرات المسيرة إلا أحد تلك التكتيكات التي أناطت تنفيذها لوكلائها في كل من العراق واليمن ولبنان.
ويمكن القول إن نجاح الاستراتيجية الأمريكية يعتمد على مدى تصاعد الضغوط على الجبهات الثلاث، الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية، والذي من شأنه أن يؤدي إلى زعزعة استقرار النظام الإيراني وإجباره على التفاوض، بينما في المقابل ستعمل إيران جاهدة على تأزيم الموقف في الجبهة الدبلوماسية والعسكرية من خلال مناوشات تهدف في جوهرها إلى مشاغلة الخصوم، بينما ينصب تركيزها على مقاومة الضغوط الاقتصادية، كون إحكام الحصار الاقتصادي عليها سيزيد اقتصادها سوءاً، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تضخم عملتها وزيادة أسعار السلع الاستهلاكية وارتفاع نسبة البطالة، وهي عوامل رئيسة، تاريخياً، طالما أذكت نار الاحتجاجات وأدت إلى حدوث اضطرابات واسعة في إيران.