د. زايد الحارثي
كما أسلفت في مقالي السابق عن الوثيقة التي صدرت في مكة المكرمة ما بين الثاني والعشرين والرابع والعشرين من شهر رمضان المبارك لعام 1440 من الهجرة النبوية والتي تحمل معاني ومدلولات ومنهج حياة للمسلمين بل والإنسانية، يستحق كل بند من بنودها التسعة والعشرين أن يتدارس للتطبيق والتنفيذ في مجال أو مجالات الحياة المختلفة.
ولو تساءل القارئ (أي قارئ) للوثيقة عن مدى وإمكانية تطبيق بنود هذه الاتفاقية على دولة أو عدة دول إسلامية على اختلاف ثقافتها وأنظمتها الخاصة بها، لوجدنا أن الوثيقة قام عليها وصاغ بنودها وعباراتها صفوة من علماء الأمة الإسلامية على اختلاف دولهم ومذاهبهم الفكرية، ومع ذلك فقد جاءت بأفكار ومبادئ تبسط الاستخدام الأمثل والمناسب لحياة كريمة للبشرية جمعاء وليس للمسلمين فقط، فقد تناولت مبادئ وأسساً عامة مستنبطة من القرآن الكريم والسنة النبوية والتي نادت بها للبشرية جمعاء. وما نشأت الحروب والصراعات الفكرية والعسكرية بين كثير من الأمم إلا نتيجة المفاهيم والتفسيرات الخاطئة لمعتنقي كل دين أو مذهب في أسلوب الحياة والتعايش مع الآخرين، ونشأ نتيجة لذلك التعصب والانحراف والتطرف الفكري والديني وهو الأشد والأكثر أذى للبشرية من أي نوع آخر من التعصب أو التطرف، لأنه تولَّد عنه إرهاب وحروب ومآسٍ من طرف كل من يحمل فكراً متطرفاً.
لقد قاد الفكر المتطرف من الشرق أو الغرب إلى تبني الإرهاب الفكري والمادي، ومن أكثر من وقع ضحية الإرهاب والعمليات الإرهابية هي الشعوب والدول الإسلامية سواء من المنتسبين إليها أو ممن تحاملوا عليها وعمموا من تصرفات الفئة المنحرفة ممن ينتسبون إلى الإسلام. وتاريخ الصراعات الفكرية بين أتباع الأديان لم ينقطع ولكنه يصعد ويهبط من وقت لآخر بحسب ظهور تيارات أو جماعات تتبني الالتزام أو التمثيل لتطبيق دين معين أو أفكار معينة وفي هذه الأفكار انحراف حقيقي عن أصول الدين الصحيح، فتروِّج لأفكارها وتسعى إلى مصادرة أي فكر آخر وكأنها تمتلك الحقيقة والفكر الصحيح، فيقوم من بينها قادة يحملون مشعل هذا الفكر ويغسلون أدمغة أتباعهم ليؤدوا الدور المطلوب منهم في محاربة وإلغاء كل فكر أو دين مختلف أو مخالف.
وفي هذا الزمن الذي نعيشه نمت وراجت الكثير من الحركات التي ظهرت على خلفية الاستثارات والاستفزازات المضادة للقيم والمعتقدات الدينية والأخلاقية وكأنها المنقذ أو البديل لمثل هذه الاتجاهات. ونتيجة لما ظهر من أفكار ومعتقدات متطرفة، ونتيجة لتزايد آثار مثل هذه الحركات المؤلمة فقد أدت إلى حروب وقتل وسفك دماء بين الشعوب، وأثرت على الكثير بل وأثرت على الاستقرار والأمن العالمي. لذا أصبح لزامًا على أصحاب الفكر الصافي والصحيح والحكماء والمهتمين باحترام الكرامة الإنسانية وحقوق الاختلاف والتعايش أن ينهضوا بمسؤولياتهم في إيضاح وتبصير العالم بحقيقة الإيمان وأفكاره ورسالته الصافية وبصيغتها العالمية، وجاءت رابطة العالم الإسلامي بحمل جزء من هذه المسؤولية، ودعت أصحاب الفكر والخبرة والدراية من العالم الإسلامي لمؤتمر مكة الذي صدر عنه الوثيقة آنفة الذكر، وخرج منها مبادئ وأفكار تستحق أن تكون منهج حياة في المدارس والجامعات والأسر والمساجد والإعلام وكل شؤون الحياة، ويبنى عليها خطط تنفيذية واستراتيجية بعيد المدى للأمن الإنساني، تجنِّب الكثير من الشكوك والتفسيرات الخاطئة للمعتقدات والقيم الدينية لكل أمة. خذ على سبيل المثال لا الحصر