د.خالد بن صالح المنيف
من الطبيعي أن يواجه البشر حزمة من العقبات والصعوبات اليومية؛ بسبب الإيقاع السريع للحياة وتوسع المطالب وتعدد الرغبات وكثرة المشاغل، ومن بديهيات الحياة أن يكون أهلها عرضة للضغط النفسي؛ مادموا يكدحون ويعملون ويطلبون الرزق، وما دموا يتواصلون ويلتقون مع بعضهم فلا بد من اعتداء أو كلمة جارحة وغيره مما يسببه تواصل البشر من ضغوط.
وللضغط النفسي أسباب كثيرة، منها أن يعيش الإنسان مهدداً يترقب شراً وينتظر أذىً، ومنها أن يبقى الإنسان مقيداً في أسر ذكرى سيئة وتجربة أليمة تطارده في حله وترحاله في ليله ونهاره حتى تجهده، ومن أسباب الضغوطات إيضاً وجود من يتنمر علينا؛ فربما يبتلى أحدنا بزميل أو بجار أو بشريك يسخر منه ويقلل من قدره ويهمش رأيه وينكد عليه، وكذلك تحمل أعباء أكثر من الطاقة وظيفياً يضيق معها الوقت والجهد، ومنها أيضاً الاستسلام لعناء الزحام، ومنها ما يكون داخلياً كاضطرابات الجهاز الهضمي وقلة النوم، وسأدلك على بعض الخطوات العملية لتجنب الضغط، وإن لم تمتثل لهذه النصائح؛ فالثمن هو صحتك ووقتك واستمتاعك بالحياة!
1. لا تراقب الناس، وعليك نفسك؛ فالمتابعة الدقيقة للبشر وترقب أفعالهم وحياتهم الخاصة ستجنح بصاحبها للمقارنة؛ وجزماً سيجد لديهم ما يتفوقون به عليه؛ وبعدها سيتقلب في أتون الحسرات، فإن باب الراحة كبيرة أن ينشغل الإنسان بنفسه ويحمد الله على ما وهبه!
2. تحمل مسؤولياتك المنوطة بك ولا تتوسع في هذا، ولا تجعل من نفسك أباً للبشرية وقيماً عليها، ومديراً للكرة الأرضية تحمل هم نفسك وهم من حولك!
3. لا تكن حدياً، واهتد للمنطقة الرمادية في بعض الأوقات والظروف؛ فالكمال لله والأشخاص الحديون يأتيهم الضغط من كل حدب وصوب؛ فكل عمل جزماً لن يكتمل، وكل شخص قطعاً فيه عيوب؛ وعليه فهولاء في حالة دائمة من السخط وعدم الرضا؛ لذا تجدهم دائماً متوترين مستنزفين الطاقة، دائماً اجعل من قاعدة (إذا غلبت الحسنات السيئات حكم على الشيء بالخيرية).
4. لا بد من تحديد طبيعة كل علاقة؛ تعلم كيف تفرق بين القرابة والصداقة والزمالة والمعرفة، فبعض العلاقات تمثل أحياناً عبئاً ومسؤولية والتزاماً، ليكن لك شبكة معارف لكن بدون مزيد من الالتزامات؛ فالحياة إذا كانت قائمة على كثرة المناسبات والمجاملات فتحت علينا جبهات متعددة، لذا يكتفى بعلاقات دافئة دون توسع.
5. لا تكن مولعاً بالحرص فتعيش حالة من الضغط عجيبة؛ فالحريص على تنمية المال مثلاً؛ اليوم الذي لم يمر دون أن يرتفع رصيده يقيم فيه مأتماً وعويلاً، والمهووس بالترقيات إن لم تتهيأ له ترقية ولم يكتب له منصب أقام الدنيا وما أقعدها، بل كن ممن يبذل جهده ثم يرضى بما كتب الله له ويستمتع به.
6. لا تبالغ في العطاء؛ فالعطاء المبالغ فيه والتضحيات المتكلفة هي بمثابة إعلان حرب على النفس، بل وإعدام إرادي لها؛ فهؤلاء يعيشون في ضغط مستمر؛ لأنهم يترقبون شكراً وافراً وينتظرون رداً للمعروف يوازي عطاءهم وهو أمر لن يتحقق؛ لذا لا تجعل نفسك شخصاً من الدرجة الثانية، قدم نفسك وأكرمها، وأعط لكن دون مبالغة.
7. يومك يومك... لا تحمل هم الغد فأمره إلى الله، استمتع باللحظة واستغرق فيها؛ وربك كريم.
8. اختل بنفسك ولو ساعة يومياً اختلاءً كلياً، وتجنب أي تواصل مع الآخرين خصوصاً أخطرها وهو التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ ينصح الخبراء بالتخلي عنها لمدة 24 ساعة والبقاء وحيداً بممارسة المشي أو مشاهدة ما يمتعك سيريحك كثيراً، وافرض على من حولك احترام خصوصيتك.
9. استرخ ولو لخمس دقائق... اجلس في مكان هادئ وفي مكان مريح وبملابس مريحة، ودون ضجيج، استرخ وأغمض عينيك، وتنفس بعمق وركز على صوت تنفسك وأصغ للشهيق والزفير في كل نفس وتذكر أن القاعدة تقول: (إن لم تجد وقتاً للاسترخاء فستجد وقتاً للاستشفاء مستقبلاً).
10. اجمع لنفسك بعض الحكم والأمثال والمقولات والشعارات - وعلى رأسها الآيات الكريمة وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم - التي تثبتك عند الوقوع تحت أي ضغط، وتجعلك أكثر هدوءاً، وعلقها في مكان تراه باستمرار؛ كجدار غرفة أو خلفية شاشة الحاسوب أو الهاتف.
11. تقبل ما كان أياً كان؛ خسارة مادية.. إخفاقاً دراسياً.. فهذا أمر مقدر قد كتبه الله لك، وهذا تفكير ضروري لاستمرار الحياة، ليس لديك مقدرة على تغيير الماضي، استفد من تجاربه ولا ترهق نفسك بأثقاله، ولا تكن حبيسه، فما فات مات، لا الحزن يعيده ولا التحسر يحييه.
12. لا تكن جاداً دائماً، وعليك بالمرح والضحك وصناعة الفرح لك ولمن حولك، ولا تغفل عن الابتسامة والفرحة في حياتنا، فالدراسات الطبية أثبتت أهمية هذا في صحتك النفسية والجسدية.
13. خذ كفايتك من النوم ليلاً ونهاراً، واجعل غرفة النوم للنوم فقط، واحذر من استخدام الأجهزة في غرفة النوم، ولا تدخل إلى السرير إلا حينما تجد الرغبة لديك في النوم، وإذا لم يزرك نوم خلال 10 دقائق فغادر السرير ومارس أي شيء مفيد.
14. تأكد وثق ثقة تامة أن من كان مع ربه فلن يخذله؛ فدونك الصلاة والأوراد وذكر الله عموماً، وفعل الخير؛ فهي لا شك تصنع المستحيل.
15. اكتب لك مهام يومية لكن دون تعذيب للنفس، وعليك بتسهيل الأمور وتبسيط الحياة؛ فإن استطعت أن تنجز فاحتف به، وما لم تستطع فيؤجل والأمور ميسرة، ولا تظن أنك ستحل كل مشكلاتك في يوم واحد.
ومضة قلم
فتمتع بالصبح ما دمت فيه
لا تخف أن يزول حتى يزولا