أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: أسعد الناس في هذا الزمن: الذين يعلون منار الحديث الشريف، ويحتكمون إلى النص، ويفتشون عن الأعراب والعوام، وعن المألوف والعادة، ويبحثون عن مصدرهن من النص أو الاجتهاد، ولا يقبلون الدعوى إلا بالحجة والبرهان؛ وهذا أمرٌ ما كنت أحلم به لولا فضل الله وتداركه إيانا بتمحيص النصوص؛ ولمؤلفات الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى فضلٌ علي كبير بعد عناية ربي جل جلاله؛ ولقد خلف الله علي شبابي؛ وهو رماد الـ 1952 ميلادياً في كهولتي بشباب في أعمار الورود ما بين الخامسة عشرة إلى العشرين يحفظون كتاب الله بترتيب خلاب يثب القلوب وبتدبر؛ وما كنت أعهده في عصور البداوة والعامية؛ فقد كانوا على صغرهم يتدبرون كلام ربهم على وعي بمعانيه ومواعظه وأشواقه، ويبكون ويستبكون مما لم أعهده في عهود البلادة؛ ولقد كثرت أشرطة القراء، وأصبحت محلات تسجيلات الأشرطة نعيماً للقلوب وربيعاً، وكانت قبل ذلك عفناً وراناً يردح في عطنه كل ممسوخ؛ فالحمد لله الذي فاء بنا إلى ما يسر، ونسأله الثبات وحسن الخاتمة.
قال أبو عبدالرحمن: ذكرت آنفاً أن الله سبحانه وتعالى خلف علي بأولئك الشباب تجاه رماد الـ 1952 ميلادياً في كهولتي بشباب يتدارسون الحديث ويحفظونه ويبتغون نضرة الوجوه من جرائه؛ وكنت في عصور الرماد أسمع وأقرأ للقصيمي قوله: ((إن وجود محدث (أي صاحب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم) في البلاد العربية، وفي الشرق نبأٌ أخطر وأدهى وأمر من نبأ كارثة هيروشيما))!
قال أبو عبدالرحمن: كفريات القصيمي أسوأ وأقبح، وفيما ذكرته آنفاً قبحٌ عظيم؛ وحسبي أن في أرفف مكتبتي عشرات الكتب من بلاغمه التي أعدها خلال سبعين ونيف بعد ردته الخرقاء؛ وأعود إلى أولئك الشباب الأتقياء المتمسكين بسنة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.. ومن المأثور عنه عليه صلوات الله وسلامه وبركاته ما رواه أبو داود والترمذي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة، وبين يديها نوى، أو حصى تسبح به؛ فقال: (أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا، أو أفضل؟.. سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق.. والله أكبر: مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك).
قال أبو عبدالرحمن: على الرغم من أن الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- ضعّفه: فإنني أرى أن شاهد صحته من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وبيان ذلك: أنه لم يؤثر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح بالحصى والنوى، ولم يؤثر أنه رُئي مسبحاً بالحصى أو النوى؛ والتسبيح عبادةٌ، ومبنى العبادة على التوقيف، ولقد اجتمع فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله على أن التسبيح لا يكون بالحصى والنوى؛ لأنه لم يفعله، ولأنه دلّ من فعله إلى غيره؛ ولأنه قرّر الحكم ابتداءً كما في الحديث عن (يسيرة) رضي الله عنها: وكانت من المهاجرات قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكن بالتهليل، والتسبيح، والتقديس، ولا تفعلن فتنسين الرحمة، وأعقدن بالأنامل، فإنهن مسؤولات مستنطقات) رواه أحمد والترمذي وأبو داود.. وغاية ما في الأمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعنف على المرأة، ورفق بها.
قال أبو عبدالرحمن: فمن سبح بالحصى، أو النوى، أو بخيط مسبحة وأصر على أن ذلك جائزٌ، وداوم عليه: فقد شغب على المصطفى صلى الله عليه وسلم بما ليس من قوله ولا فعله، ورغب عن سنته؛ وهو على ملة أبيه إبراهيم عليهما صلوات الله وسلامه وبركاته، وما يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه.. ومثل حديث سعد حديث صفية رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بها؛ فقال: لقد سبحت بهذا؟.. ألا أعلمك بأكثر مما سبحت به؟.. فقالت: علمني، قال: فقولي: (سبحان الله عدد خلقه) رواه الترمذي.. على أن الترمذي قال: (حديثٌ غريب لا نعرفه من حديث صفية إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعد الكوفي، وليس بمعروف).
قال أبو عبدالرحمن: اليوم كثر الجهلة في بعض البلدان الإسلامية الذين ينثرون في المساجد مسابيح ذات مئة خرزة، وذات ألف خرزة يسبحون بها، ثم أسعفهم الإنترنيت بتسجيلها لهم بصوت أحد المسبحين بها؛ وإنما غرضي التفقه في الدلالة؛ ولهذا افترضت صحته؛ ولهذا بقية حديث تأتي إن شاء الله تعالى، وإلى لقاء في السبت القادم إن شاء الله تعالى, والله المستعان.