د. عبدالرحمن الشلاش
نتحول بسبب بعض التصرفات غير اللائقة التي تحدث أمامنا بشكل يومي إلى كائنات حساسة جدًا. هناك رابط في ذهني بين رؤية طموحة لخلق مجتمع حيوي وواعٍ وبين واقع يحتاج لعمل كبير. الوعي الاجتماعي هو في جزء كبير منه في أدنى مستوياته. هذا واقع ليس من عندي وإنما نشاهده جميعًا لكن هناك من يؤثر السلامة ولا يستطيع حتى إبداء رأيه، وهناك من يتعامل مع المواقف المسيئة ببرود والبعض مستاء مما يرى لكن ليس بيده حيلة.
عندما تسير بسيارتك يفاجئك صاحب السيارة التي أمامك برمي بقايا سيجارته المشتعلة ثم يمضي في طريقه دون حياء، لو حاولت نصحه سيرد عليك بوقاحة وما شأنك أنت! ليصبح في نهاية الأمر صاحب الحق أما أنت فستتحول في نظره إلى شخص ثقيل وملقوف وما عندك ذوق! ترى مثل هذا الشخص الملوث للبيئة والمسبب للمخاطر هل تتوقعون أن لديه وعيًا أو حتى معرفة بأن ما فعله خطأ على الأقل؟
في بداية الأسبوع الماضي ذهبت كي أتسوق من «السوبر ماركت» القريب من منزلي في أحد أحياء الرياض العاصمة، وأثناء التسوق هجم علينا ذلك الصوت المزعج الذي عكر الهدوء الذي يلف المكان، وإذ به شخص في نهاية الأربعينيات من عمره يصرخ في وجوه عمال المحل وبكلمات وشتائم وأوامر، استمر الحال لدقائق، وأثناء توجهنا لدفع الحساب أقبل هذا وبصحبته رجل طيب أقنعه بدفع الحساب. أثناء دفع الرجل الطيب للحساب انهمرت الأدعية من فم المزعج كالمطر يدعي للطيب بطول العمر والرزق. تحول هذا الكائن العجيب من حالة الصراخ إلى حالة الهدوء لكن سرعان ما انقلب إلى أسوأ من حالته السابقة بمجرد دفع الحساب ومغادرة الرجل الطيب المكان فقد أنهال ببذاءته على المحاسب والعمال يعنفهم ويتهمهم. الشهادة لله أن العمال كانوا في قمة الأدب. أما أنا فكنت من فرط حساسيتي أردد في داخلي، كيف يتعايش مع الناس مثل هذا المخلوق الذي تجرد من الأخلاق والإنسانية.
أعرف أن مثل صاحبنا كثير. أذهب للحدائق والمتنزهات والأماكن العامة لتشاهد التشويه والتخريب ورمي القاذورات في كل مكان والمخلفات من قشور وفضلات وأعقاب سجائر رغم وجود سلال معدة وصناديق موزعة في كل مكان كيف سيتحول هؤلاء بسلوكياتهم غير الحضارية إلى أفراد متحضرين في مجتمع يسعى بقوة للتقدم؟
كيف سيتحول الموظف الذي يعطل مصالح الناس ومعاملاتهم سواء كان كبيرًا أو صغيرًا؟ كيف تعالج تلك الأمراض المنتشرة في جسد الجهاز الحكومي لتكون تلك الأجهزة الحكومية دعامة رئيسة لتحقيق الرؤية الحلم؟ منها البطالة المقنعة والواسطات والمحسوبيات وبطء الإجراءات وغياب المعايير والانضباط! سلوكيات سيئة معيقة لأي تحول طموح. قد يكون تطبيق النظام بقوة أحد الحلول الحاضرة، وقد تكون التوعية وربما حلول أخرى كثيرة في أذهان المسؤولين لعلها تهيئ الأرضية الصلبة لمجتمع حيوي ووطن طموح.