سمر المقرن
أكثر إنسان يمكن أن تثق فيه وتحترمه هو البار بوالديه، لأن من يتصف بهذه الصفة يعني أن الخير متأصل في شخصيته وأفكاره وتعاملاته مع جميع الناس. ولا يمكن الفصل بين بر الأم وبين بر الأب، فكلاهما لم يميز بينهما القرآن الكريم، وكلاهما تعبا في هذه الحياة وإن اختلفت الأدوار فلم تكن لطرف على حساب الآخر، إنما هما مكملان لبعضهما بعضًا. واستغرب ممن يفضل أحدهما على الآخر، أو يعتقد أن البر في أحدهما يكفي عن بره للآخر، فالقلب المليء بالحب لا بد أن يتسع لهما جميعًا.
الأمر الآخر، الذي يجب أن نؤمن به ونعلم جيدًا طريقة التعامل معه، هو بلوغهما الكبر والضعف، فلن يكونا بالصورة التي نتذكرها لهما عندما كانا في عنفوان القوة والشباب، وقد يكون أحدهما يتصف بالقسوة في التربية ليس كرهًا في أبنائه وإنما خوف عليهم وحب لهم، ولا ننكر أن الثقافة المجتمعية والسياق الفكري المتعارف عليه في الزمن القديم كان يؤمن بأن التربية لا بد أن تكون بالقسوة، ولم يكن مستهجنًا في ذلك الوقت ضرب الأطفال، بل كان الآباء والأمهات يتباهون بمن يضرب أكثر، وكان مؤشرًا للصرامة والقوة، هذه المفاهيم تغيرت مع التعليم والوعي، واليوم من يضرب طفله يُصنف في خانة المُعنفين وقد يتعرض للعقاب القانوني. لكن أعود لتلك الخلفية التي كان عليها آباء الزمن الماضي، وأنهم اليوم صاروا كبارًا في السن وضعفاء ويحتاجون البر والرحمة، وهناك حالات شاذة من الأبناء ترى أن هذا هو وقت أخذ الثأر من هؤلاء الأبوين أو أحدهما، ومن ثم تفضيل أحدهما على الآخر وهذا فيه إجحاف كبير.
اليوم من بقي من هؤلاء هم رائحة الجنة، وهما أجمل ما في أجنداتنا اليومية، رعايتهما ومرافقتهما هي أجمل متعة أنعم بها الله علينا في هذه الحياة، ومنحهما الشعور بالأهمية وأخذ الرأي، لأن أكثر ما يكسر كبار السن هو شعورهم بالاستغناء عنهم، كما أنهم مع تقدم العمر يصبحون حساسين جدًا، فمن المهم الانتباه إلى التصرفات وعدم التفريق في المعاملة بينهم.
أمور كثيرة قد تكون بسيطة لكنها كبيرة جدًا وتعني الكثير بالنسبة إليهم. أبسط الأشياء تُفرحهم، دعوة صادقة إلى الله لهم يرونها شيئًا كبيرًا من أبنائهم.
الحياة ليس لها أي معنى بدون الوالدين، ومن فقدهما يدرك جيدًا هذا الشعور، فلنعش اللحظة حتى لا يدركنا الوقت، ونستمتع بتفاصيل الدنيا تحت أقدامهما.