محمد عبد الرزاق القشعمي
رأيت الأستاذ عبدالوهاب إبراهيم آشي للمرة الأولى والأخيرة في حفل جائزة الدولة التقديرية للأدب في الرياض عام 1403هـ، وكان على كرسي متحرك مع ضيوف الحفل القادمين من خارج الرياض عرفت أنه قدم لكتاب (خواطر مصرحة) للأستاذ محمد حسن عواد عام 1345هـ، والذي ثار عليه المحافظون وأنه أول رئيس لتحرير صحيفة (صوت الحجاز) عند صدوها عام 1350هـ 1932م, فحرصت على تتبع آثاره ولم أجد له مذكرات وسيرة ذاتية أو كتبًا عنه ما يفي، ولهذا تقديراً واحتراماً له ودوره التنويري المبكر فضلت أن أقدمه لهذا الجيل الذي قد لا يعرف عنه الكثير.
ولعل آخر ما كتب عنه في (قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية) دارة الملك عبدالعزيز، ط1، ج1، 1435هـ/ 2013م، وقد استعرض باختصار سيرته الأدبية الدكتور حمد بن ناصر الدخيّل قائلاً: «صحفي، وكاتب، وشاعر، ولد بمكة المكرمة، ونشأ فيها، والتحق بمدرسة الفلاح سنة 1330هـ (1912م)، وتخرج فيها سنة 1337هـ (1919م). عين مدرساً في المدرسة الفخرية بمكة المكرمة سنة 1341هـ (1922م)، ثم انتقل إلى مدرسة الفلاح سنة 1343هـ (1924م)، ومكث بها مدرساً حتى سنة 1347هـ (1928م).
انتدب عضواً في نقابة السيارات، ثم أسندت إليه أمانة صندوقها. وفي سنة 1352هـ (1933م) عين مساعداً لرئيس المحاسبات العمومية بوزارة المالية، وفي ربيع الآخر سنة 1355هـ (1936م) عين مديراً لقلم التحرير بوزارة المالية، فرئيساً لديوان المحاسبة العامة، فمفتشاً عاماً لوزارة المالية، ثم مديراً عاماً للوزارة، واختير عضواً منتدباً للحكومة في الشركة العربية للسيارات، وعمل مراقباً عاماً في البنك الأهلي التجاري..».
اختير كأول رئيس لتحرير صحيفة (صوت الحجاز) في 27/11/1350هـ (4/4/1932م) ولمدة ثلاثة أشهر والتي قال عنها الأستاذ عبدالله عبدالجبار في (التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية)، «.. وهي جريدة وطنية جامعة، أصدرها الوطني المعروف الشيخ محمد صالح نصيف، وكان أول رئيس تحرير لها عبدالوهاب آشي. وقد اعتبر الشباب صدورها حدثاً مهماً، وراموا أن تكون مسرحاً لآلامهم وآمالهم، ومعرضاً لشعرهم ونثرهم... ومنذ العدد الثالث عشر اختفى اسم رئيس التحرير لأنه قد نفي إلى نجد مع طائفة من الحجازيين بتهمة الاشتغال بالسياسة والحزبية، وترويج الأراجيف بتضخيم حادثة ابن رفادة كما نص البلاغ الرسمي بهذا الصدد..».
وقال محمد علي مغربي في (أعلام الحجاز) ج1: «.. ولقد عرف الناس الأستاذ عبدالوهاب آشي ككاتب كبير..».
• وعندما أصدر الأستاذ محمد سرور الصبان كتاب (أدب الحجاز.. أو صفحة فكرية من أدب الناشئة الحجازية شعراً ونثراً) عام 1344هـ/ 1925م والذي طبع على نفقة المكتبة الحجازية بمكة المكرمة [وأظنه أول كتاب أدبي يصدر في العهد السعودي الجديد بمكة] خصص لعبدالوهاب آشي أربع صفحات في (قسم المنظوم) نشر له قصيدتين هما: (بين قلبي والدهر) و(آلام وآمال نحو أمتي ووطني) من 43 بيتاً ختمها بقوله:
وطني بنفسي أفتديك فحبذا
موتي لسعدك والممات محقق
ما مات من خلدت صحائف مجده
ولسعيه الوطن العزيز مصدق
وفي آخر الكتاب نقل بعض آراء الكُتاب ومنهم عبدالوهاب آشي الذي قال: «سر الكاتب في إبراز أفكاره لا في جريان يراعه.. العظيم هو من تتمثل عظمته في أفعاله لا في أقواله.. الأحوال تهيئ الرجال وتخلق الأقوال وتكون الأعمال.. على الأخلاق الفاضلة يجب أن نؤسس استقلالنا ونبني مدنيتنا وملكنا.. دعارة وسعادة لا يتفقان، وجهل ورقي لا يجتمعان، وافتقار واستقلال لا يأتلفان».
• وفي الكتاب الثاني لمحمد سرور الصبان (المعرض.. أو آراء شبان الحجاز في اللغة العربية) التي أصدرته المكتبة الحجازية سنة 1345هـ 1926م خصص لعبدالوهاب آشي عشر صفحات، انحاز فيها للغة العربية الفصحى.
• والكتاب الشهير (وحي الصحراء.. صفحة من الأدب العصري في الحجاز) الذي جمعه محمد سعيد عبدالمقصود، وعبدالله عمر بلخير عام 1355هـ/ 1936م فقد خصص لعبدالوهاب آشي 24 صفحة، فبعد الترجمة، نشر له القصائد التالية: (التحية الوطنية) و(يا قلب) و(يا نفس) و(لوم مردود) و(يا رفيقي) و(قيثارتي) و(اذكريني)، و( التعلل بالرسوم) و(الحق أجدر بالنصر) و(رباعيات.. البلاغة، القوانين والأهواء، القوي والضعيف). واختار له من المقالات التالية: (السأم من الحياة) و(نظرة في الجمال الإنساني) و(فلسفة الموت والحياة).
• ترجم له الدكتور علي جواد الطاهر في (معجم المطبوعات العربية.. المملكة العربية السعودية) ط1، ج2، 1985م قائلاً: «من يؤرخ للنهضة الحديثة في الحجاز يدرك جيداً المكانة التي يحتلها عبدالوهاب آشي من أدباء الرعيل الأول، ويعجب ألا يكون في المكتبة السعودية كتاب يجمع مقالاته وآراءه، وديوان يضم قصائده، وقد جعله الصبان فاتحة كتابه (أدب الحجاز).. وعني به الساسي في ( شعراء الحجاز) «من شعراء الرعيل الأول.. الذين ساهموا في بناء صرح الأدب في الحجاز».
• وكان كثيراً ما يوقع مقالاته بأسماء مستعارة منها: ع.اّ، ابن حماد، نعيمة الصغير، نعيمة القصير.
• أجرى معه الدكتور عبدالله مناع حديثاً نشرته مجلة (اقرأ) في العدد (350) بتاريخ 21/2/1402هـ بعنوان: (حكايتي مع (صوت الحجاز) وعنون المقابلة بقوله: «لست كاتباً ولا مفكراً عظيماً.. كل ما هناك: [أن لساني طويل] لقد رأو أنه لا ينفع غيري.. فاختاروني رئيساً لتحرير صوت الحجاز.. صوت الحجاز هي أول صحيفة غير رسمية يملك امتيازها محمد صالح نصيف، ويرأس تحريرها عبدالوهاب آشي.. لم يكن بالصحيفة مصورون ولا مخرجون، وكان العاملون فيها لا يتقاضون مرتبًا إلا إذا زادت الايرادات عن المصروفات..».
وعند سؤال المناع له: بماذا كنت تنادي؟، أجاب: «كنت أريد حرية التعبير.. وللإنسان أن ينطق بما في نفسه.. الحقيقة أنه ما كان هناك يكتبون، ولما جينا احنا بدأنا نفتح الباب شوية شوية حتى وصلنا إلى هذه الحالة.. وكنا نهدف لنشر التعليم وتنمية أفكار الناس والرفع من مستوى تفكيرهم ولم نطالب بحرية المرأة أو التدخل في أي مجال من مجالاتها..».
• ترجم له الاستاذ أحمد سعيد بن سلم في (موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين) وقال عنه: «.. عكف على الدراسة والمطالعة الحرة التي هي هوايته الوحيدة.. كاتب وشاعر وناثر مشرق الأسلوب صائب الفكرة موهوباً، تحفل قصائده بالخيال الجميل والعاطفة الصادقة.. وقد اشترك الاستاذ الآشي في كثير من اللجان الفكرية والثقافية والتربوية والتعليمية، حيث ساهم مساهمة إيجابية فعالة في تطوير النهضة الفكرية بالمملكة العربية السعودية، وقد ترأس تحرير جريدة صوت الحجاز حيث ساهم في بناء جيل من الكتاب والأدباء، والمثقفين الذين هم الآن يديرون حياتنا الإعلامية والأدبية.. له مجموعة شعرية من القصائد التي تعتبر من عيون الشعر العربي.
كما كتب في مختلف فنون الأدب والمقالة والنقد والدراسات الأدبية والنقد الاجتماعي، وكان يفضل أن تنشر أعماله الأدبية والفكرية في مجلة المنهل.
وذكر من أعماله: 1- أعمال الآشي الكاملة: نادي مكة الثقافي، هذا الديوان يضم أعماله الشعرية الكاملة، وقد قام النادي بجمع شعره ونشره بعد وفاة الشاعر -رحمه الله-.
2- شوق وشوق: ديوان شعر، صدر عن الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالرياض عام 1402هـ 176 صفحة.
• وترجم له في معجم الكتاب والمؤلفين في المملكة العربية السعودية، الدائرة للإعلام، ط2، 1993م، وذكر: «... شارك في تأسيس نادي مكة الثقافي، ومؤسسة البلاد للصحافة والنشر، كان يكتب أحياناً تحت اسم مستعار (نعيمة القصير)..».
• ترجم له الاستاذ حسين عاتق الغريبي في كتاب (الغربال) قراءة في حياة وآثار الأديب السعودي محمد سعيد عبدالمقصود خوجة .. وذكر أن الآشي «شاعر وطني من الرعيل الأول في الحجاز، ومن رواد الصحافة والأدب في المملكة العربية السعودية، تأثر به الكثير من أدباء الحجاز من خلال آثاره الأدبية التي كان ينشرها في جريدة (صوت الحجاز)، يحمل عاطفة وطنية قوية، وفي مفرداته الأدبية نجد مضامين عصرية، إلا أنها لا تخرج عن دائرة التقليد والمحافظة..».
• واختار له الناقد الدكتور عبدالله المعيقل في مجلد الشعر من (موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث.. نصوص مختارة ودراسات) قصيدة (ذكريات الصبا في المشيب)، وجعله من جيل التأسيس.. بدأ القصيدة بقوله:
أوغل العمر ممعناً في الذهاب
إثر عهد الصبا وعهد الشباب.
إن عهد الشباب عهد وضيء
مستطير السنا عزيز الجناب.
وارف الظل مستفيض هناء
متـرع الكأس بالعجيب العجاب
آه من لي برجعة من ليا
ليه وأيامه اللطاف الطراب.
• وترجم له في (موسوعة تاريخ التعليم في المملكة العربية السعودية في مائة عام) ط2، 2003م وذكرت: «... كما كان عضواً بمجلس المعارف، ومراقباً للبنك الأهلي التجاري...».
ونختم بما قال عنه الدكتور حمد الدخيِّل في (قاموس الأدب والأدباء..)، «... مارس قرض الشعر منذ أن كان شاباً لم يبلغ العشرين من عمره، فله قصائد نظمها سنة 1340هـ/ 1921).. وهي تمثل تجربة شعرية ناضجة، لكن آثاره النثرية والشعرية تبدو قليلة بالنسبة إلى معاصريه، فأعماله الكاملة التي نشرت مؤخراً تصنفه ناثراً وشاعراً مقلاً، وشعره الذي نشر في ديوان قبيل وفاته كله من الشعر العمودي الموزون المقفى، وبعض قصائده تندرج ضمن المقطعات والمشطرات والرباعيات والمخمسات والموشحات والمشجرات أو المطرزات، وهي نمط من النظم انتشر في العصر المملوكي والعثماني، ويبدو غرض الغزل والنسيب وحديث العاطفة ماثلاً في معظم شعره، فله قصيدة غزلية عارض فيها قصيدة (ياليل الصب) للحصري القيرواني، وخَمَّس قصائد لحافظ إبراهيم، وولي الدين يكن، وداود عمون، ويمتاز شعره العاطفي بالرقة والعذوبة، ويصنف من شعراء العاطفة والوجدان في الشعر السعودي الحديث، وله شعر وطني واجتماعي، نظم بعضه في وقت مبكر. ويبدو من خلال شعره تفاعله مع الشعر القديم والحديث وتأثره به، وامتلاكه ثقافة شعرية عالية، وتمكنه من الصياغة اللغوية السليمة في شعر ونثر، وقد وصفه احمد عبد الغفور عطار بأنه علامة في علوم الدين واللغة. ونثره المجموع أقل من شعره، ويظهر أن الذي أسند إليه جمع مقالاته لم يستقص جميع ما نشر له في الكتب والصحف والمجلات.. وكان يوقع بعض ما ينشر بلقب مستعار هو (ابن حمآد)..» وذكر علاوة على نشر ديوانه (شوق وشوق) .. نشر الأعمال الكاملة، ط1، جدة، عبدالمقصود محمد سعيد خوجة، 1426هـ (2005م).