د. عيد بن مسعود الجهني
تؤكد الأرقام الإحصائية التي «لا تكذب» أن منطقة الخليج العربي ليس منفذا مائياً مهماً يأتي على بوابته مضيق هرمز وباب المندب فقط وإنما الأهم من ذلك كله أنه محيط نفطي لا نهاية له يزداد اتساعه وأهميته يوماً بعد آخر.. وإنه رئة العالم التي يتنفس بها كل آلة تدب على الأرض أو تحلق بين السماء والأرض.
وتتركز معظم الاحتياطيات على المستوى الدولي في دول الخليج العربي، فقد بلغت 55.6 % من الاحتياطي العالمي إذ بلغ مجموع احتياطيها 710.72 مليار برميل بالنسبة للعالم ودول مجلس التعاون الخليجي حوالي 506 مليارات برميل، حوالي 46 في المائة من الاحتياطي العالمي.
وعند التدقيق في مسيرة الاحتياطي الخليجي يتضح أن دول مجلس التعاون الخليجي، ومعها العراق وإيران تعتبر مستودعا ضخما للنفط في العالم، واحتياطيها سيتزايد عاما بعد آخر، وهذا ما جاء في محاضرتي في مؤتمر (النفط والغاز في السياسة الدولية) بمركز زايد في العاصمة الإماراتية أبوظبي في 6 يونيو عام 2002، في تلك المحاضرة أكدت أهمية احتياطي النفط في الخليج العربي لإمداد سوق النفط الدولية وأهمية الاستثمار في مجال التنقيب والاستكشاف والاستخراج لزيادة كمية الإنتاج، وقد توقعت في محاضرتي تلك أن يزيد احتياطي النفط في الخليج العربي خلال السنوات المقبلة ليبلغ 800 مليار برميل، وقد تأكد ما ذهبت إليه فهو في عام 2014 بحدود (789) مليار برميل، وفي عام 2016 بلغ أكثر من 797 مليار برميل، وفي عام 2018 كسر حاجز 800 مليار برميل.
هذه المنطقة المهمة في عالم اليوم أصبح أمنها واستقرارها يمثل الخيار الأول، فهي بالأمس تمثل الأهم استراتيجيا لمضيق هرمز وباب المندب في التجارة العالمية، لكنها اليوم تمثل ذلك الهدف الاستراتيجي والأهم منه النفط الذي يعد شريان إمدادات العالم من هذه السلعة السحرية أهم وأغلى سلعة عرفها التاريخ الإنساني حيث بلغ الاستهلاك اليومي من النفط (800) مليون برميل في هذا العام.
وإذا وضحت الاستراتيجية بالغة الأهمية لمضيق هرمز بوابة الخليج العربي، وعنق الزجاجة في شريان الملاحة البحرية، وباب المندب الذي يعد حلقة الوصل بين قارات أفريقيا وآسيا وأوروبا والعالم، لأدركنا أن الخليج العربي بنفطه واستراتيجيته، والبحر الأحمر الذي يحتضن باب المندب، لقلنا إن بلاد العرب بقنواتها (قناة السويس) ومضيق هرمز وباب المندب هي قلب العالم الاستراتيجي، وهي رئة العالم في النفط والغاز. وإذا كانت طهران من خلال أذرعها في اليمن استهدفت مطار أبها المدني في السعودية في الثاني عشر من هذا الشهر، وفي اليوم التالي جاء استهداف دولة الملالي لشاحنتي نفط في خليج عمان إحداهما تعود ملكيتها لشركة يابانية تزامنا مع تواجد رئيس الوزراء الياباني في زيارة رسمية في ذلك البلد، سعيا منه كوسيط نزيه لحلحلة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بشأن ملفها النووي وصواريخها البالستية.
وأي متتبع لأحداث منطقة الخليج العربي رئة العالم النفطية بل والتجارية يدرك مدى التخلخل داخل السلطة الحاكمة في إيران واحد أذرع هذه السلطة الحرس الثوري قائد الميليشيات في كل من العراق واليمن ولبنان وبلاد الشام، وهو الطامح إلى دور أكبر في بلده، وهو مغذٍّ رئيسي لهذه الأحداث الجسام.
وبتفسير أكثر وضوحا أن إيران وهي في خضم مشاكلها الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية هدفها من تبني مثل هذه الأحداث في أهم منطقة في العالم، إرسال (استغاثة) إلى العالم مفادها أنها إذا طوق عنقها فإنها لا تملك سوى الإضرار بأهم ممر مائي على المستوى الدولي، لكن الخبير في العلوم السياسية والعسكرية والاقتصادية والنفطية يدرك أن في ذلك ارتفاعا حادا في أسعار النفط يدفع فاتورته الاقتصاد العالمي لفترة ليست طويلة لكن على الجانب الآخر محصلته إعلان نهاية النظام السياسي والعسكري في ذلك البلد.
هذا العمل الإرهابي الذي أقدمت عليه طهران من خلال حرسها الثوري.. وهو ما أثبتته البحرية الأمريكية وأعلنه الرئيس الأمريكي ترامب ووافقه دولاً عديدة في مقدمتها بريطانيا، يعتبر عملا إجراميا ترتكبه دولة ضد مصالح جميع دول المنظومة الدولية، ضد القانون الدولي العام وقوانين البحار التي قننت حرية الملاحة في البحار الدولية.
الجدير بالذكر أن هذه المضايق عرفتها المادة 16/4 من اتفاقيات جنيف عام 1958، والقانون الدولي وقانون البحار يجعلان المرور في المضايق حرا لمراكب جميع الدول وسفنها وليس للدولة صاحبة الإقليم أن تمنع المرور منه دون داع، والاتفاقية الدولية لقانون البحار لعام 1982 نصت صراحة على أن جميع السفن العابرة للمضايق الدولية مدنية كانت أو عسكرية من حقها المرور العابر دون تمييز أو عراقيل. الجدير بالذكر أن أسعار النفط وإن شهدت ارتفاعا محدودا في أعقاب هذا الهجوم الإيراني المتعمد على ناقلات النفط فإن الارتفاع في الأسعار كان خجولا إلى حد كبير، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار توفر كل الأسباب الداعمة لارتفاع الأسعار فإيران صادراتها من النفط انخفضت إلى الثلث بفعل العقوبات المشددة عليها، ومثلها فنزويلا التي طالتها العقوبات الأمريكية وتعاني البلاد من أزمة سياسية حادة، ناهيك ما أصاب صادرات النفط الليبي من انحدار في صادرات ذلك البلد.
ورغم توافر تلك الأسباب الرئيسة إلا أن برميل النفط ما زال لم يبلغ الـ(70) دولاراً فما زال بين 62 و65 دولاراً، وهذا يؤكد أن السوق الدولية مشبعة بالنفط الذي يزيد عرضه على الطلب إضافة إلى تزايد وتيرة المخزون الاستراتيجي منه لدى الدول الصناعية المستهلك الرئيس للنفط وفي مقدمتها بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية.
والله ولي التوفيق.