د. محمد عبدالله الخازم
التفرغ الثقافي فكرته كما فهمتها من بعض التصريحات هو تفريغ المثقف من عمله الأساسي لأداء مهامه الثقافية كالكتابة مثلاً، باعتبار الفعل الثقافي ليس مهنة أساسية للمثقفين السعوديين وهم يعانون في إنتاج مشاريعهم الثقافية من ضيق الوقت وضغوطات المعيشة اليومية ولا يمكنهم المغامرة بالتفرغ للفعل الثقافي باعتباره لا يؤكل عيشًا مستدامًا في أغلب مجالاته. هذه الفكرة تعد حديثة من ناحية التطبيق المؤسسي، رغم أنها حلم ينادي به البعض منذ زمن طويل، وبالتالي فإنها تتطلب في بدايتها عملاً تنظيميًا كبيرًا أكثر منه عملاً ثقافيًا. وفي ظل الأنظمة المحلية، أشير إلى أبرز نظامين يمكن قراءتهما والاستفادة منهما؛ نظام تفرغ أعضاء هيئة التدريس فيما يعرف بالتفرغ العلمي أو الاتصال العلمي، إلخ. ونظام مشاركة الرياضيين في المناسبات الرسمية كالمسابقات الوطنية والقارية والعالمية. من خلال ذلك يمكن تأسيس فكرة التفرغ ضمن أنظمة الخدمة المدنية وأنظمة التوظيف الأخرى، لأنه لا معنى لعمل وزارة الثقافة على مشروع التفرغ ثم مقاومته من جهات أخرى، كالجهات المالية وجهات التوظيف وغيرها.
بناءً عليه أرى التفرغ على مستويين؛ الأول، التفرغ للمشاركة في المناسبات الثقافية التي يمثل فيها المثقف المملكة أو الجهات الرسمية محليًا ودوليًا. وهذه ربما يكون أمرها ليس معقدًا وقد يطبق عليها ما يطبق في المنافسات الرياضية بحيث يسمح للمشارك التفرغ للمهمة الرياضية أو الثقافية دون حساب ذلك من إجازاته الرسمية ويستمر راتبه فيها من خلال عمله. يمكن تحديد ذلك، حتى لا يتحول الأمر إلى إزعاج وإرباك للأعمال الوظيفية الأساسية بأن لا تزيد عن عشرين يومًا في السنة - مثلاً- وما زاد عن ذلك فيكون إجازة بدون راتب، وفق الضوابط الأخرى المقترحة.
المستوى الثاني، فردي لإنجاز عمل ثقافي محدد. في الجامعات يفرغ عضو هيئة التدريس لإجراء مهام بحثية محددة وأهم ضابط لذلك يكون؛ إما عبر حصوله على منحة بحثية من جهة ما محلية أو أجنبية يفرغ لتنفيذها أو أن يقدم مقترحًا بحثيًا لجهة بحثية عالمية تتبناه وتستقطبه لتنفيذه لديها، وفي النهاية عليه تقديم ما يثبت أداءه للمهمة. نفس الفكرة يمكن تطبيقها في الجانب الثقافي، يقدم المثقف ما يثبت حصوله على منحة ثقافية لأداء مهمة ثقافية فيفرغ لها وفق ضوابط تحدد ما إذا كان يحصل على راتبه الأساسي من جهة عمله أو بدون راتب مع حفظ حقوقه التقاعدية.. إلخ. هنا تصبح مهمة وزارة الثقافة أولاً في ترويج المنح الثقافية المحلية والأجنبية وثانيًا في صنع منح ثقافية ينافس عليها المثقفون عن طريقها او عن طريق الجهات ذت العلاقة كان يقدم التلفزيون منحة ثقافية لمدة ثلاثة أشهر لكتابة سيناريو عمل درامي أو أن تقدم دار نشر منحة ثقافية لإنتاج عمل ثقافي كتابي، إلخ.
اقترح الأنظمة أعلاه من باب الاستفادة من تجاربها وعلينا كذلك الاطلاع على التجارب العالمية. أخيرًا، أحذر من تحول نظام التفرغ إلى نظام إعارة ووظائف ثقافية مؤقتة تتكدس بها وزارة الثقافة. الوزارة يمكنها دعم منح ثقافية وفق ضوابط شفافة تصل للأجدر وتقيس المنتج بطريقة موضوعية وليس دفع رواتب للمثقف المتفرغ.