عبد الرحمن بن محمد السدحان
* التقيت قبل حين طويل صحفياً أمريكياً يدعى (مايكل لي)، كان يعمل في شبكة الـ (أي بي سي) الفضائية الأمريكية، وقد تناول اللقاء أحاديث شتَّى، انتهاءً بعميدة القضايا: (فلسطين)! وكان الرجل صريحاً فيما طرح من آراء ومواقف، مستنداً في ذلك إلى مطالعاته وخبراته الصحفية داخل المنطقة وخارجها، وقد أتاحت له إقامته الطويلة في لبنان خلال وقت مضى قدراً كبيراً من فرص التقييم لمشكلات المنطقة ومعاناتها، ولم يُخفِ حنينه إلى لبنان حضارياً يوم كان اسم ذلك البلد مرادفاً للحب والنمو والسلام!
* * *
* كان من بين فقرات الحديث مع الزائر الأمريكي قضيةُ الإرهاب في أبعادها المختلفة، وبدَا جلياً من حديثه أن هذه القضية باتت هاجساً أمريكياً مُلحاً أكثر من أيّ وقت مضى على نحو طغَى على ما سواه من شؤون الساعة داخل أمريكا وخارجها.
* وألفيتُني أتجاذبُ الحديث معه عن الإرهاب ولكن، بمضمون مختلف لم تنقصه الصراحة، لا بقصد تصحيح مفاهيمه أصْلاً، فقد كان يتحدث معظم الوقت حديث الواثق بما يقول، وقد خرجتُ من ذلك اللقاء بالتأملات الفكرية التالية:
أولاً: أنّ الإرهاب، من حيث المبدأ، جُرمٌ لا يُقرِّه شرعٌ، ولا يؤيِّده عرفٌ، ولا يُسلِّم به ضمير، لأنه يحمّل البريءَ وزرَ الظالم، فيُصفح عن هذا، ويعاقب ذاك! وقد تطابقت رؤانا حول هذا الموضوع.
* * *
ثانياً: أن الأهمَّ من قضية الإرهاب هو ازدواجيةُ بعض الشعوب والحكومات في رسم المواقف تجاهه، فمرةً يُسمَّى (الدفاعُ) عن النفس في مكان ما (إرهاباً)، وفي مكان آخر (جهاداً)! والحقيقة أنه ليس كلُّ عنف إرهاباً، وليس كلُّ إرهاب جهاداً، فالفلسطيني في نظر بعض أمصار الغرب إرهابيُّ عندما يُعبّر عن قهره داخل أرضه بالحجارة، بدلاً من الدموع، في حين يبقى الإسرائيلي (بطلاً) حين يَقمع عواصف القَهر بالحديد والنار، ويدّك البيوت على قاطنيها، طرفاً من الليل وأطراف النهار، ويحصد أرواح الأبرياء بطائراته وزواحفه المجنونة، داخل الأراضي المحتلة وخارجها، ورغم ذلك تَبقى معادلةُ الحقِّ (مقلوبة) لصالح الطرف الصهيوني!
* * *
ثالثاً: أن الإعلام الأمريكي ممثّلاً ببعض قنواته ذات الميول الصهيونية قد نجح في توظيف ورقة الإرهاب ضد العرب، فيُؤاخَذُ الكلُّ بما فعل البعض، ويُحمَّل العربيُّ في كل مكان وزرَ فردٍ أو أفراد اقترفوا (جُرماً) ممَّا يمكن أن يُصنَّفَ إرهاباً!
* * *
رابعاً: ليس هناك من تفسير لاهتمام (بعض) وسائل الإعلام الأمريكي المتعاطف مع الجانب الصهيوني سوى الرغبة في صرف العقول من مناقشة القضايا الأكثر إلحاحاً، كقضية فلسطين، وإفرازاتها المختلفة، ومن ثم محاولة تحقيق عدة أغراض من بينها ما يلي:
أ) الإمعانُ في تشويهِ سمعةِ العرَب وتقليصُ رصيدهم من التعاطف والتأييد، لصالح إسرائيل!
ب) استثمارُ شعور العداء ضد العرب من لدن إسرائيل لدى بعض دوائر الرأي الأمريكي والعناصر الشعبية والحزبية المؤيِّدة لها، لإحراز المزيد من دعمِ الصهيونية والتأييد لها مادياً وأدبياً وسياسياً.
* * *
وبعد:
إذا كان الإرهاب في أبشع مظاهره وصوره قد صنع من بيجن (رمزاً) للسلم، وشارون (عَدَواً) له، وناتنياهو (صانعاً) له، فإنّ هذا دليل على أن الزمان الذي نعيش فيه رديءٌ بمقاييس كثيرة، فلا الحقَّ حقٌّ، ولا الباطلَ بَاطلٌ، ولكن هناك أموراً متَشَابِهات، تخلط بين الحق والباطل لصالح الموقف الصهيوني على نحو يجعل المرءَ يحترق تساؤلاً: إلامَ المصير؟! وبدوري أتساءل: نعم وألف نعم.. ولكن إلامَ المصير؟!