صيغة الشمري
إن التطور الذي شهدته طبيعة إدارة عمل المؤسسات والشركات في العالم خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، تطور استثنائي ضخم، قد يوازي كل التطور الذي شهدته تلك المؤسسات منذ إنشائها وحتى ذلك التاريخ، حيث انتقلت خلال تلك الفترة نقلات نوعية مدعومة بالتقدم التكنولوجي الهائل وبتغير احتياجات الناس وبثورة التواصل الاجتماعي، إلا أن هذا التطور لم يشمل عالمنا العربي بشكل كبير، حتى وإن وجد فإنه لم يكن شاملاً ومغطياً لكل جوانب العمل داخل المؤسسة الواحدة، ومن بين أبرز الإدارات التي فاتها قطار التطور في مؤسساتنا العربية -وللغرابة الشديدة- هي إدارات العلاقات العامة والإعلام!
فيكفي أن تأخذ جولة سريعة للتعرف على أدوار ومنهجيات عمل تلك الإدارات في بعض المؤسسات العربية كنموذج، لتصدم بأنها ما زالت تعمل بآليات ومناهج وعقلية منتصف القرن العشرين، عندما كان التلغراف إحدى أعلى مراحل التطور التكنولوجي التي يمكن استخدامها في التواصل!
إن الإبقاء على إدارات العلاقات العامة والإعلام على أشكالها القديمة وعدم إدراجها تحت مظلة الاتصال المؤسسي، هو قصور واضح في فهم دور ومهام العلاقات العامة في المؤسسات، وهو سمة تعيب المؤسسات العربية بشكل خاص، كما أنه يكشف ضعف القائمين على هذه الإدارات عن مواكبة التطور الإداري والفكري والخدمي الذي نعيشه حالياً، والذي سيصبح من الماضي خلال سنوات قليلة في ظل عجلة التطور التي لا تتوقف أبداً، فما زالت أدوار العلاقات العامة محصورة في التواصل والشؤون اللوجستية في المؤسسات العربية، بينما هي في غيرها من بلدان العالم، تخطت هذه المراحل منذ سنوات، وباتت إدارات العلاقات العامة والإعلام جزءا أو قسما من أقسام الاتصال المؤسسي التي تشارك بشكل فعال ومنتج في رسم صورة ذهنية جميلة عن المؤسسة وعن سياسات المؤسسة، أي أنها باتت شريكاً حقيقياً في صنع القرار نتيجة ما تمتلكه من مهارات كبيرة، تكوّنت عبر الزمن كنتيجة لنشاطها الدائم، ويكفي أن نتعرف على حجم التأثير السلبي الذي يمكن أن ينتجه هذا الوضع المقلوب، لندرك الضرر الهائل الذي يهدد تلك المؤسسات، ذلك الضرر الذي قد يخرجها من دائرة الزمن ويجعلها مؤسسات غير منتجة وغير قادرة على تلبية احتياجات الجماهير، ويحولها إلى أشبه ما يكون بمتاحف إدارية تحكي لنا كيف كانت إدارات العلاقات العامة تمارس مهامها في العصور الوسطى!.