د. أحمد الفراج
يبدو أن الرئيس ترمب وضع نفسه في ورطة لم يأخذها في الحسبان، فقد أحسن في الانسحاب من الاتفاق النووي، الذي كان مجحفاً في حق أمريكا وحلفائها، ثم فرض حصاراً غير مسبوق على إيران، وخنقها اقتصادياً بشكل جعلها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها داخلياً وخارجياً، فهي تدفع مبالغ طائلة لتمويل سياساتها التوسعية، في العراق ولبنان واليمن وسوريا. هذا، ولكن ما لم يتوقعه ترمب هو ردة فعل إيران على الحصار الخانق، فملالي طهران أدركوا أن خيوط اللعبة كلها قد أصبحت بيد أمريكا وحلفائها، وبالتالي قرّروا المغامرة، والإمساك ببعض خيوط اللعبة، وهذا ما جعلهم يُصعّدون عسكرياً، عن طريق تهديد خط الملاحة، الشريان المهم لاقتصاد العالم، وكلما تردّدت أمريكا في الرد، كلما تشجعت إيران في التصعيد أكثر، ولهذا أسباب كثيرة، لم يتوقعها ترمب وصقوره، في هذا التوقيت المهم والحساس.
أول هذه الأسباب هو الانقسام الحاد في أمريكا، والخصومة الشرسة بين ترمب والديمقراطيين، الذين يتربصون به، ويتمنون ارتكابه أي خطأ، من الممكن أن يقلّل من فرصه في الفوز بإعادة الانتخاب في عام 2020، فمن الواضح أن حكام طهران يدركون أن ورثة أوباما وكيري من الديمقراطيين لم يكونوا سعداء بانسحاب ترمب من الاتفاق النووي، وقد تحدثوا عن ذلك علنا، بل إن وزير خارجية أوباما، الحمامة جون كيري، عرّاب الاتفاق النووي، قد قابل الإيرانيين سرّا في أوروبا، وطلب منهم أن يتحملوا الوضع القائم حالياً، وينتظروا رحيل ترمب!، وهو الأمر الذي وصفه ترمب بالخيانة، إذ لا يصح أن يسمع خصم شرس لأمريكا لغة التهديد من الرئيس، ولغة ناعمة صديقة من الحزب المنافس له، وللمعلومية فإنه لم يسبق أن حدث أمراً كهذا، خلال التاريخ الأمريكي.
ولا شك أن حكام طهران لعبوا على هذا الوتر، وبدا الأمر كما لو أن هناك حلفاً، بينهم وبين الديمقراطيين، إذ ما أن بدأت إيران بالتصعيد، حتى تسابق زعماء الديمقراطيين بالحديث عن غلطة ترمب، أي انسحابه من الاتفاق النووي، ومن ثم التحذير من مخاطرة بدء حرب ضد إيران، وهذا الانقسام الأمريكي لا شك شجّع الملالي على التصعيد، وخلاصة الأمر هي أن ترمب لم يكن يريد حرباً، بل حصاراً خانقاً، ولكن حكام طهران فهموا اللعبة، بتشجيع من خصوم ترمب داخلياً وخارجياً، فقرّروا أن يتحكموا هم، لا الرئيس ترمب، بخيوط اللعبة من خلال التصعيد، ولا شك أن هذا وضع المنطقة على كف عفريت، وتحتاج فقط لمن يشعل عود الثقاب، فلنتابع ما سيحدث من تطورات، وهي بلا شك تطورات جسيمة!