م. خالد إبراهيم الحجي
إن النقل العام هو نقل الركاب بواسطة وسائل السفر الجماعية المتاحة للاستخدام من قبل الجمهور العام، وعادة تتكون من الحافلات والمترو والقطارات، ويتم إدارة حركتها وفقاً لجدول زمني بين المحطات، ويتم تشغيلها على طرق ثابتة، وتتقاضى رسماً منشوراً مقابل كل رحلة. وفي مجال القطارات بين المدن تفوّقت اليابان والصين على الدول الغربية، حيث تطورت فيها شبكات القطارات السريعة، ووصلت سرعتها إلى (500) كم/ ساعة، وهناك محاولات تكنولوجية لزيادة سرعتها إلى سرعة الطائرة، وتليها فرنسا وإسبانيا التي تصل فيهما سرعة القطارات إلى (300) كم/ ساعة، وفي المركز الأخير تأتي الولايات المتحدة؛ لأن الثقافة الأمريكية منذ خمسينات القرن الماضي تمحورت حول صناعة السيارات؛ وشرعت في الستينات بإنشاء شبكات ضخمة من طرق السيارات السريعة العابرة للولايات، غطت جميع أنحاء الولايات المتحدة، ولكنها أغفلت وأهملت أهمية التخطيط لشبكات القطارات السريعة؛ لذلك نجد أن متوسط سرعة القطارات فيها (108) كم / ساعة. ونموذج الفكر والثقافة الأمريكية المتوارثة يتجسد بوضوح في مدينة لوس أنجيلوس التي تشتهر بطرقها السريعة والمسارات المتعدِّدة، ومع ذلك تعاني من بطء الحركة، وكثرة الاختناقات المرورية، والتلوّث الكربوني بسبب كثرة السيارات. وتعتبر السيارات أكبر مصادر الهدر والضياع للطاقة، ولا تراعي صداقة البيئة أو التنمية المستدامة، وحسب دراسة أجراها معهد بروكينجز الأمريكي عام 2002م، وجدت أن وسائل النقل العام في أمريكا تستخدم ما يقرب من نصف الوقود الذي تحتاجه السيارات الخاصة والشاحنات؛ لأنه من الواضح للجميع أن استخدام محرك واحد ضخم لوسيلة واحدة للنقل العام أقل تكلفة وأضراراً، وأكثر كفاءة وفعالية من استخدام (100) محرك صغير للنقل الشخصي في حالة استخدام كل فرد سيارته الخاصة، مثل: الطلبة والطالبات الذين يسكنون في مدينة الدمام في المنطقة الشرقية من السعودية ويستخدمون رحلات القطار اليومية للذهاب والإياب، ويسافرون مسافة (150) كم للدراسة في جامعة الملك فيصل الواقعة في مدينة الهفوف.. ومن فوائد النقل العام أنه يُمَكِّن سكان المدينة من التحرّك فيها بطرق سهلة، وميسرة، وآمنه، وسريعة، لتكون مدن منتجة تساعد في ازدهار الحركة التجارية والصناعية فيها، وتُساعد في زيادة الدخل الوطني والتنمية الاقتصادية، وتُساهم في تقارب التوزيع السكاني واعتداله، وتُقلِّل من الهجرةلداخلة إلى المدن الكبيرة الجاذبة للعمال والموظفين.. وإنَّ إضافة وسائل النقل العام في وقت لاحق بعد إنشاء المدينة، ونموها وتمددها، يحتاج إلى جهود جبارة وتكلفة مادية أكثر، وحلول هندسية متعدِّدة ومتداخلة مع بعضها البعض؛ لأن إنشاء الجسور والأنفاق ومحطات الركاب بما يحتاجه من معدات ثقيلة، وما ينتج عنه من حفريات بين الأحياء السكنية، والمناطق العمرانية المكتظة بالسكان، يعتبر تحدياً للمدينة وسكانها المقيمين فيها، وذلك مثل مشروع النقل العام الذي تم إضافته إلى مدينة الرياض؛ ويتألف من ستة خطوط مجموع أطوالها (176) كم، منها (20) كم سطحية تتحرك وتسير فوق الأرض، و(86) كم علوية فوق الجسور المعلّقة، و(70) كم أنفاق تحت سطح الأرض، ويوجد على الخطوط الستة (85) محطة للركاب، وتساند شبكة المترو وتكمل خدماتها خطوط شبكة حافلات مغذية تتكون من (2765) حافلة، تغطي مسافة (1200) كم من الطرق داخل الأحياء السكنية، وعليها (6765) محطة.. لذلك فإنَّ تخطيط مدن المستقبل يجب أن يأخذ في الحسبان محاور شبكة النقل العام، ويراعي نوعين من المجتمعات، الأول: المجتمعات الريفية والمدن الصغيرة التي تفتقر إلى البنية التحتية للمترو، ولا تسمح الجدوى الاقتصادية والعملية بإنشاء شبكة حافلات عامة فيها؛ لذلك يصبح الاستفادة من التكنولوجيا العالية باستخدام حافلات كهربائية ذاتية الحركة بدون سائق هو الحل المناسب، لتوفير خدمة النقل العام فيها. والثاني: المجتمعات الحضرية والمدن الكبيرة التي تتوافر فيها البنى التحتية للنقل العام بمختلف صوره وأشكاله (المترو والقطارات والحافلات).. واليوم نحن في أمس الحاجة إلى تغيير مستقبل النقل العام، وتطوير نمط المواصلات وتوسيع نطاقها بين المدن المختلفة، وزيادة سرعتها لتقليل زمن الرحلات من عدة ساعات إلى عدة دقائق.
الخلاصة
يجب علينا تخطيط المدن الحديثة كي يستخدم الأغنياء فيها وسائل النقل العامة بدلاً من أن يسعى الفقراء لامتلاك السيارات الخاصة.