عمر إبراهيم الرشيد
قبل أكثر من عقدين من الزمن أو بالأمس القريب كما نقول مجازاً، كانت رحى الحرب تطحن أقاليم يوغسلافيا السابقة التي انفصلت عن بعضها بسبب ونتيجة تلك الحرب، وهي البوسنة والهرسك، صربيا، كرواتيا والجبل الأسود. ولولا أن أطماع الصرب بإقامة صربيا الكبرى قد أعادت إلى أذهان الحكومات الأوربية أطماع النازية وما جرته من ويلات وحروب، فقادت الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى لجم الصرب وعقد اتفاق سلام بين هذه الجمهوريات، بلطف وتدبير الله تعالى أولاً، وإلا لكانت نتائج تلك الحرب أكبر وأوسع برغم مآسيها على المسلمين في البوسنة تحديداً.
وددت بهذه المقدمة تنشيط ذاكرتكم العزيزة كخلفية موجزة لموضوع مقالي هذا. فقبل أيام قرأت في هذه الصحيفة عن إيفاد وزارة الشؤون الإسلامية لعشرات من الأئمة والمشايخ والدعاة للعديد من دول العالم ليؤموا المصلين في صلاة التراويح والتهجد في المساجد، ولنشر الوعي ووسطية الإسلام ونبعه الصافي بين الأقليات والجاليات المسلمة في دول المهجر. وحقيقة لشد ما أبهجني وصول هذه الجهود إلى دول لم يدر بخلد أكثرنا تفاؤلاً وصول الدعاة والأئمة الرسميين إليها مثل صربيا! والمفاجأة الأكبر أن في صربيا وحدها ستين مسجداً!، وحين أقول دعاة وأئمة رسميين فالمقصود أن حكومة المملكة ممثلة بوزارة الشؤون الإسلامية هي من ترسل هؤلاء الأئمة والدعاة، وهذه تعد أفضل وأنجح منهجية لقطع الطريق على من ينوي تشويه الدين الحنيف إما بالممارسات المسيئة له، أو بدعم الغلو والإضرار بكل ما له صلة بالإسلام والمملكة أرض الحرمين وقبلة المسلمين. وما يثلج الصدر كذلك فيض المشاعر الطيبة التي لقيها الإمام والداعية السعودي في صربيا، وحرص المسلمين على أداء الصلوات والتراويح في المساجد، ما يعني وعياً بالدين الصافي وسماحته وسموه. هنا لا بد من الإشارة إلى التغيير في منهجية عمل وزارة الشؤون الإسلامية في هذا المجال، وهو تغير عما كان في السابق من ترك الأمور لاجتهادات فردية، وملء فراغ الأئمة والدعاة بآخرين أقل علماً وتأهيلاً أو متطرفين أو معادين حتى للمسلمين. فهذه نقلة لتصحيح الصورة والمفاهيم، ولتوضيح حقيقة الدين الوسطي الذي أراده الله للعالمين، دون تعدٍ أو إساءة إلى غير المسلمين {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.