عبدالعزيز السماري
يعد إدمان حبوب الكبتاجون في الوقت الحاضر مشكلة اجتماعية كبرى، وتتكون هذه الحبوب عادة من مادتي الأمفيتامين والإفيدرين، وقد يُضاف إليه مواد أخرى لزيادة معدلات الإدمان، ويتم الترويج لها في المزارع والمدارس والأنشطة الاجتماعية، وتعود سيرتها إلى أكثر من خمسة عقود.
يذكر التاريخ الاجتماعي الشفوي أن أول استعمالاتها كانت بين بعض «الكدادة» وسائقي الشاحنات، الذين يحتاجون إلى نشاط إضافي، ولو كان على حساب صحتهم العقلية، للعمل ساعات أطول في اليوم، من أجل كسب مادي أكثر، وهو وهم قد صدقوه حينذاك، وكانت الخسارة صحتهم، كان ذلك قبل مرحلة النفط، تحت مسميات حبوب أبو ملف، ولا أعرف سببًا لهذه التسمية..
ثم انتشرت في بداية مرحلة النفط بين بعض طلبة الثانوي والجامعات تحت مسمى «القضوم»، وهو اسم في غير محله، فالقضوم نبتة طبيعيه، وليس لها علاقة بالإدمان، من أجل كذبة صدقوها، فوقعوا في إدمانها، وهي تعزيز النشاط من أجل التحصيل العلمي في وقت قصير، وكانوا يسهرون إلى الصباح، ثم يذهبون إلى الامتحان..
وقد واكبت استعمالاتها التطور الاجتماعي أو المتغيرات الاجتماعية إن صح التعبير، ففي مرحلة التسعينات تم تسييس استعمال الكبتاجون، فظهر بين المفجرين الإرهاببين، وذلك لرفع شجاعته أو إقدامه إلى مرحلة التهور والانتحار، وقد ثبت ذلك عند أهل الاختصاص.
ولم يكن ذلك بجديد في التاريخ الحديث، فقد تناولها طيارو كاميكازي اليابانيين قبل تفجير الطائرات المفخخة، وبجرعات عالية، لتحفيز روحهم الانتحارية، كما استخدمها بعض الطيارين الأمريكيين في حرب الخليج، وقد تم تدمير أجساد وعقول الجنود الذين تناولوها، بعد أن حوّلتهم إلى آلات قاتلة في الحرب، وكان مصيرهم بعد انتهاء المهمة، إما الانتحار أو المصحات العقلية لمعالجة الأمراض النفسية والإدمان.
ما بعد تلك المرحلة، وبعد انتشار ثقافة الشعر الشعبي وظاهرة الرديات دخلت حبوب الكبتاجون مرحلة جديدة، فأصبحت رمزًاِ للمرجلة الوهمية، فأصبح إبريق «الصفوف» الملغم بالحبوب جزءًا أساسيًا عند بعض التجمعات الشعرية الشعبية، وكانوا يحذرون كبار السن من شرب الشاي من هذا الإبريق، وقد يفسر ذلك اتساع هذه الظاهرة بشكل غير معقول..
لم تتوقف هذه السيرة التدميرية للكبتاجون عند ذلك، فقد دخلت الميدان الرياضي بعد ارتفاع حدة المنافسة، وقد تم إيقاف لاعبين مشهورين لاستخدامهم لحبوب الأمفيتامين، وذلك اعتقادًا أنها تمنحهم نشاطًا أكثر أثناء احتدام المنافسة الرياضية، وهذا مؤشر خطير، ولا بد من رفع عدد مرات الفحص، في المباريات والتمارين..
يُذكر أن الرئيس نيكسون قاد سنوات من الحرب على المخدرات، وشهدت حملة نيكسون أكبر نجاح لها في عام 1970، حين أصدر الكونجرس قانونًا للمخدرات، ويُصنِّف هذا القانون المخدرات في واحدة من خمسة جداول وفقًا لآثارها وإمكانية علاجها، وكان أهم ما في القانون أن كلاً من الكوكايين والأمفيتامينات (الكبتاجون) تم تصنيفهما في الفئة الأخطر، وذلك لارتفاع معدلات الاعتداء والإجرام والعنف من بين مستعمليهما..
هناك اعتقاد خاطئ أن هذه الحبوب ترفع معدلات المرجلة وتزيد من الإقدام، لكنها في واقع الأمر تمثل كيمياء للعنف والإجرام، وقد أدت زيادات استخداماتها في ارتفاع معدلات العنف الاجتماعي والإجرامي، فالإنسان المدمن عليها يفقد الحكمة والعقل، ويتحول إلى وحش مضطرب..
يقف خلف هذه الظاهرة الخطرة تلك الرغبة الجنونية في كسب المال بأقصر الطرق، فالترويج لها هدفه اقتصادي بحت، ويدخل في دائرة اقتصاد الظل، وهو أكبر مهدد لاقتصاديات الدول النامية، وكلما ازدادت نسبته من الاقتصاد المحلي ارتفعت نسب خطورته..