د. حسن بن فهد الهويمل
(السلطة الرابعة) تتهاوى حصونها تحت ضربات التقنية الإعلامية الدقيقة. وعمالقة الفكر، والسياسة، والإعلام يتسلّلون لواذاً، تحرّفاً لمواقع أوسع، وأنفع، أو تحيّزاً لفئات جديدة تهيمن على كافة الساحات.
لم يكن أحد يتوقّع تراجع (الصحافة الورقية) إلى الصفوف الخلفية، تاركةً مواقعها المهمة لـ (لصحافة الرقمية).
لقد جاءت (المكتبات الرقمية)، دون أن تؤثّر على (المكتبات الورقية)، وبقي (الناشرون) يتصدّرون المواقع الرئيسية. و(معارض الكتاب) شاهدُ أهلٍ.
الكتاب الورقي يحتفظ بقيمته، وأهميته، وإن زُوحم في عقر داره.
وجاء (التلفاز) بالصوت، والصورة، ولم يؤثّر على (المذياع) بالقدر الذي تأثّرت فيه (الصحافة الورقية).
لقد غالبت (المؤسسات الصحفية) الوضع المتردي، ودُعِمت من المؤسسين، ورجال الأعمال، ولكن الوضع كان الأغلب. وهي اليوم كالمهاجر المعلّق على الحدود، لا يستطيع العودة، ولا العبور إلى بر الأمان، ولم تكن أرض الله واسعة له، كما هي واسعة للمهاجرين إلى دار الإيمان.
(الصحافة الورقية) صوت السلطة النافذ، والمؤثّر، وهي كـ(شعراء الخلفاء) في العصور الذهبية، يستعين بهم الخلفاء على إبلاغ الرسائل للعامة: للإمتاع، والإقناع، والاحتواء. ويملؤون الفراغ بالنقائض، والتهاجي. فإذا أُخرِس الشعراء فقد الخلفاءُ صوتاً نافذاً مؤثراً.
وإذا صمتت (الصحف الورقية) فقدت السلطة صوتاً ندياً ألفه الناس، واستفادوا منه.
لا نريد للصحافة أن تضعف، فضلاً عن الرحيل المر.
الصحافة وعاء الثقافة، وصوت المواطن. وانهيارها مؤذن بخسارة فادحة.
- فمن المسؤول عن إقالة العثرة، والعودة بها إلى ألقها؟
لا بد من نهوض الوزارات المعنية، والهيئات ذات العلاقة لوضع صيغة مناسبة لعودة الصحافة إلى مواقعها الأمامية.
- وزارة الإعلام.
- وزارة الثقافة.
- وزارة الخارجية.
- وزارة التعليم.
- هيئة السياحة.
- هيئة الترفيه.
- هيئة الرياضة.
الصحافة شريك مهم لكل هذه المرافق، تستكتب العلماء، والأدباء، والمفكرين، والتربويين، والاقتصاديين، والرياضيين، وسائر وجوه الثقافة.
وتركها لمعالجة وضعها بنفسها تقصير متعمد، وتخل مدان، لا يمكن تبريره.
إنها سلطة رابعة، وصوت لا استغناء عنه.
وحين تتآكل، وينفض أهلها، والمعنيون بها، ويجدون من يتلقاهم باليمين، فإنه من الصعب إنقاذها.
لقد اضطرت الصحف إلى تقليص صفحاتها، وإغلاق بعض مكاتبها، وتسريح كثير من كتّابها، ومحرريها، ومصححيها، وكل مشتغل مُسَرَّحٍ وجد مجالاً آخر، ومن الصعب عودته.
إنه إهدار لتراث، وتفريط بتجارب، وتشتيت لخبرات، وقدرات نشأت عبر عشرات السنين.
والتفريط فيها تحت أي ظرف إضاعة لمثمنات وطنية، وكتّاب، ومفكرين يذودون عن حياض الفكر. وغير أولئك ممن جنّدوا أقلامهم للدفاع عن مثمنات الوطن، يتساقطون كورق الخريف.
لا بد من المبادرة، وتفادي انهيار الصحافة الورقية، لكيلا ينفضّ سامرها، ثم لا يكون من السهل استعادتها لصحتها.
الكتَّاب، والمسؤولون سيجدون ملاذهم، ومن الصعب استعادتهم بعد استقرارهم في مواقعهم الجديدة.
وتفادي الانهيار، قبل وقوعه، وإغلاق بعض الصحف أفضل من التراخي.
الوزارات، والهيئات من واجبها الدعم المادي المباشر، ثم البدء في دراسة الوضع، وصيغة الحلول المستدامة.
قد لا يكون الدعم مادياً صرفاً، ولكن إنقاذ الموقف يتطلّب المبادرة بالدعم المادي المؤقت، ثم التحرّف لوضع صيغة مناسبة لاستمرار الصحافة في عملها.
هناك حلول كثيرة لا تغيب عن المسؤولين، أثق أنها ستقيل عثرة الصحافة، وتعيد لها صحتها، ومكانتها.
النظر في موضوع الإعلانات الإلزامية، والتوسع فيها.
- النظر في موضوع الاشتراكات الإلزامية لكافة الوزارات، والمرافق، والسفارات.
- النظر في تحمّل مكافأة فئة من كبار الكتَّاب المؤثّرين في المشاهد الفكرية، والسياسية، والعلمية.
- قيام بعض الوزارات بإدارة بعض الصفحات. مثل قيام (وزارة الشؤون الإسلامية) بإعداد صفحة أسبوعية على حسابها. وقيام (وزارة الاقتصاد) بإعداد صفحة أسبوعية على حسابها.. وهكذا.
هذه بعض الحلول المقترحة، وعند المسؤول ما هو خير.