عبده الأسمري
عندما نذكر «الصبر «نتذكر «العبر» ونستذكر «الجبر» في منظومة «ثلاثية» بين المواقف والوقفات ووسط التجارب والمطالب..
«الصبر» مفهوم ديني وحياتي قويم يرتبط بالنفس ويترابط مع السلوك ويرمز إلى التحمل ويرتكز على القوة ويعتمد على القناعة ويتعامد على الدافعية. وتبنى به صروح «القيم» ويشيد به طموح «السكينة».
الصبر منهج الأنبياء ونهج الرسل وسلاح الصالحين ووسيلة المؤمنين وغاية الصديقين ومبتغى المتقين وأمنية المحسنين.. هو أداة اليقين وعنوان التقى ومحك الإيمان ومنبع التقوى وسلوك الصلاح وسر الفلاح..
تتفاوت درجات الصبر في حياتنا وتتباعد مستويات المصابرة في دنيانا باختلاف الشرائح العمرية وقدرتها وفروق الأنفس ومقوماتها ونوعيات الظروف وأشكالها وتتباين أنواع الصبر في كفاح الإنسان وفق التفاوت ما بين «المشكلة» و«النازلة» و«المصيبة» و«النائبة» لتبقى حدود الصبر مرتبطة بحجم ضرر النفس وأضرار الروح ومدى الخسائر التي واجهت الإنسان وفي أفق ذلك تتعالى مراتب المؤمنين في الصبر كلا وفق صحيفة أعماله.
يقترن الصبر بالشكر اقترانًا كبيرًا وتقارنًا أكبر من خلال رفع منزلة الصابر الشاكر الذي قابل مصيبته بالشكر ونازلته بالحمد فارتفع بين أهل السماء «مكانا عليا»
الصبر هو «السلوك النفسي» و«المسلك البشري» الذي تواجه به المصائب وتدفع به النوائب وتخفض به الكوارث وترتفع به الأعمال.
.. وهو الخطة السيكولوجية التي تعتمد على قوة النفس وجلادة الروح ورجاحة العقل وتماسك القلب في التكيف مع الأحداث والتعايش مع الأقدار.
يتشارك الناس في الصبر من حيث المنطلق والمعنى واكتمال أطراف المعادلة من الإذعان للقدر والخضوع للمقدر والرضا بالمقسوم والاقتناع بالحدث مما يجعله «عنصراً» أساسيا للتنافس و»ركنا» ثابتًا للتسابق في جني الحسنات واستثمار الطاعات.
بين الصبر والأمنيات وشائج تمد جذورها من أعماق النفس نحو آفاق القدر.. لتتشكل ملحمة «النصر» بملامح «الجبر» ومطامح «العبر» في حياة الإنسان.
بين الصبر والجبر تجاذب عميق بين الصفة والنتيجة وانجذاب أعمق وسط السمة والهدف.. فمن امتلأ فؤاده بالصبر ابتغاء وجه الله سيسير حتمًا في «دروب النجاة» ويمضي قدما في «مسالك الانتصار».
الصبر نعمة عظيمة تعيد صياغة الحياة وترتب «منهجية» العيش وتبلور «طريقة» التعامل بين المثيرات والاستجابات التي تشكل السلوك الإنساني..
الصبر تربية دينية ونفسية واجتماعية تحتاج إلى التدريب النظري وإلى التطبيق العملي وإلى اجتياز اختبارات «الإحباط» و«اليأس» وتجاوز مقررات «التخاذل» و«الخذلان» حتى يتم القبول الذي يتطلب التميز في النجاح والامتياز في التفوق حتى يبقى «المنهج» إجباريًّا للدراسة في جامعة الحياة والتدريس في أكاديمية العمر. الصبر مفهوم متعدد الأثر يعكس الصفاء في النفوس ويزيد الحكمة في العقول ويثري السلامة في الصدر وينمي البركة في العمر.. يجلي الهم ويبعد الغم وينقي السريرة ويطهر الفؤاد ويسمو بالروح ويرتقي بالخلق ويميز التعامل وينجز المطالب ويوأد القلق ويهزم التوتر..
من متطلبات الصبر أن يكون «الصابر» ذا أنفاس طويلة يستطيع تحمل «جلد» الظرف ودرء سوءات العائق وردع الشقاء وصد البلاء لذا فإنه سمة تبدأ بالممارسة إما «اختيارية» أو «إجبارية» وفق طبع الإنسان وطبيعة حياته ثم يبحر العاقل في مدارس «الصبر» لينال أعلى الدرجات بحثا عن «سعادة مؤكدة» و«إجابة أكيدة» تأتي على طبق من «الجبر» تنقل الإنسان من هاوية «الكربة» إلى بشرى «الفرج» والسير قدما لنيل «أعظم» بشائر الدنيا والآخرة بدخول الجنة «دون حساب».
من تحلى بالصبر وترقى في ميدانه إلى المصابرة فقد فاز فوزًا عظيمًا وانتصر نصرًا مبينًا لأنه أرضى ربه ورضي بواقعه وارتضى الاحتساب «بغية» الأجر والثواب و«نيل» سعادة الدارين ليمضي منتظرا «نفائس» الجبر والتي ستكون «مقدم» مكافأة للصبر أما الأجرة الموازية للعمل فهي في «حيز الغيب» وفي «علم القدر».. لذا فطوبى «للصابرين» وهنيئا لهم بحب الرحمن وسخاء الحنان وعطاء المنان.