محمد آل الشيخ
كنت أنتظر بشغف أن تحسم الولايات المتحدة ومعها حلفاؤها خلافنا مع إيران الملالي بضربة عسكرية فاصلة. أحد الأصدقاء له رأي آخر، وجدته أكثر موضوعية وعقلانية من رأيي، مفاده أن يستمر حصار إيران اقتصادياً وإنهاكها من الداخل واستنزاف قدراتها، وسوف تقوم شعوبها من الداخل بمهمة الإطاحة بالنظام وتخليص العالم منه؛ ففي رأيه أن أي ضربة عسكرية أمريكية ستؤدي إلى التفاف الشعب الإيراني حول نظام الملالي، وسيزيد من قوته، فعلا وسيكرس شرعيته بالشكل والمضمون الذي يجعله أشد مقاومة للحصار الاقتصادي، والإمعان في العناد والمكابرة. وبعد التفكير فيما قاله صاحبي وجدت فعلا أن ما يقوله أقرب إلى الصواب. فنظام الولي الفقيه نظام أيديولوجي، والنظم الأيديولوجية تحتاج لإسقاطها إلى تهيئة كثير من العوامل والظروف الموضوعية، والأهم (الزمن) ليتحقق سقوطها. وأضاف: صدام حسين حارب إيران الملالي ثماني سنوات، وأجبر الخميني راغمًا على الرضوخ للسلام، وكان هذا الرضوخ بمثابة الهزيمة المنكرة، فهل أدت هذه الهزيمة إلى إسقاط النظام؟ .. دولة الولي الفقيه لا تقوم على شرعية دنيوية، وإنما على شرعية دينية طائفية، تختلط شرعيتها إلى حد التمازج بالهوية الطائفية للأفراد، ما جعلهم في النتيجة يتشبثون بالنظام أكثر من ذي قبل.
يقول صاحبي: إن شرعيات الدول المعاصرة اليوم هي أولا وقبل كل شيء شرعية تتكئ على الاقتصاد، فإذا اهتزت القواعد التي يقوم عليها هذا النظام، ووهنت معطياته، فإن إسقاطه بالتالي يكون أكثر احتمالية. ووفق هذه المعادلة فإننا يجب أن لا نستعجل الأمر، ونُعطي للزمن دوره، وسنجد في النهاية أن الإيرانيين هم من سيقومون بإسقاطه، وتغييره إما شكلا ومضمونا، وهذا ما نطمح إليه، أو على الأقل مضمونا فقط، بحيث ينتقل من (الثورة) إلى (الدولة)، وهذا بالنسبة لنا كافٍ.
ويبدو أن العالم، وبالذات الأوربيين، بدأ يغير نظرته لهذا النظام، وانضم إلى الرئيس الأمريكي كثير من دول الغرب التي كانت تتحفظ على قرار انسحابه من اتفاقية فينا النووية، حتى أن رئيسة الوزراء الألمانية انجيلا ميركل قالت إن المعضلة الإيرانية ستطرح في قمة مجموعة العشرين التي ستنعقد في اليابان. وهذا بالنسبة لنا تغيرًا جوهريا، يعني فيما يعنيه أن قضية إيران انتقلت من كونها قضية إقليمية، إلى أنها أصبحت قضية دولية، تعنى بها كبريات الدول الأقوى اقتصاديًّا.
نقطة أخيرة أود أن أشير إليها هنا، وهي أن الإيرانيين كما يظهرون من مواقفهم يجزمون أن الرئيس ترامب يتحاشى الحرب، وقد تحمل كثيرًا في هذا الاتجاه رغم استفزاز الإيرانيين ومشاكساتهم ومشاكسات أذرعتهم في المنطقة، لكن هذا لا يعني إطلاقا أن الإيرانيين إذا بالغوا في تحرشاتهم واستفزازاتهم وإظهار عنترياتهم، أنه سيبقى متحملا أكثر، بل ستكون ضربة ساحقة ماحقة تجردهم من كل قواهم، التي هي إذا قارناها بالقوة الأمريكية المتفوقة فلا يمكن مقارنتها مع قوة إيران وصواريخها التنكية. وعلى أية حال فليس أمام الإيرانيين إلا خيار الرضوخ، والحوار، وإلا الفناء.
إلى اللقاء