سمر المقرن
تتصاعد وتزيد ظاهرة التسول الإلكتروني حسب ما لاحظت، وأصبح الواحد لا يستطيع التمييز بين المحتاج الحقيقي وبين دنيء النفس، وبعد بحث وتقصٍ في كثير من الحالات التي تتواصل معي عبر مواقع التواصل الاجتماعي وجدت أن معظمهم غير محتاج، إنما لديه مشكلة في التعايش مع دخله المادي، ووضع ميزانية وتنظيم وفق دخله الشهري في تحديد وتنظيم المصاريف الأساسية أو المصاريف التكميلية والتي يُمكن تأجيلها أو الاستغناء عنها. وقد تواصلت معي بعض الحالات التي توقعت أنها تعيش تحت خط الفقر بحسب الوصف الذي يصلني، لكنني أجد أن معظم هذه الحالات تشترك في عدم القدرة على تنظيم الحياة على قدر الدخل، ما يوقع -بعضهم- في مشاكل الديون أو غيرها، إلا أن وصول الإنسان إلى مرحلة التسول فهذه في اعتقادي مشكلة نفسية وخلل في التركيبة الفكرية لمفهوم الحاجة، وأذكر من الحالات التي كانت تتواصل معي سيدة ترجوني وستعطفني للمساعدة، وتواصلت معها اعتقاداً مني بحاجتها لبعض المؤونة أو شيء من الاحتياجات الأساسية، لكنها كانت ترجوني وتتسول مبلغ 600 ألف ريال لتكمل بناء منزل لها ولأسرتها! أعلم جيداً حاجة الإنسان إلى مسكن ملك لكن هناك بدائل لا توقع الشخص في حالة دناءة النفس إلى هذه المرحلة!
وحالة أخرى لموظف وجدت أن راتبه يصل إلى ما يزيد عن 13 ألف ريال ويريد إكمال بناء منزله ويحتاج إلى 200 ألف ريال، لا أعتقد أن مثل هذه الحالات تعيش حالة طارئة من الحاجة التي تصل بهم إلى حد التسول سوى أن دناءة النفس هي المحرك الأساسي للموضوع، لأن موضوع المسكن قد يتأجل وقد يوازن الإنسان حياته ويعيش في حالة موازنة حتى يحقق أمله في مسكن العمر أو بيت الملك.
أتذكر وهذه الحالات تمر علي بشكل شبه يومي، حديث رسولنا الكريم (ليس الغنى في كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس) وتعود بي الذاكرة إلى مرحلة الطفولة عندما بدأ والدي -حفظه الله- بناء منزلنا حيث بدأ يشرح لنا أن هناك تغييرات في ميزانية المنزل وأن علينا أن نتعاون جميعاً بالتوفير حتى نصل إلى بر أمان المنزل الجديد بسلام، أسوق هذه الحكاية لأوضح أن الميزانية والتوفير هي تنشئة وفكر يتم تربيته داخل البيت ليكبر الطفل وهو معتز في ذاته ولا يقلل من نفسه حتى لو كان في أمس الحاجة، لندرك حجم عمق جملة الغنى غنى النفس!