د. محمد عبدالله العوين
في وقت يتعاظم فيه دور السعودي ويزداد تأثيرًا، وفي وقت تشتد فيه الحملات الإعلامية المعادية من القريب والبعيد يتضاءل حضورنا الإعلامي والثقافي، ويكاد يقتصر على تلقي الهجمات والرد على بعضها بجهود فردية بدون الانطلاق من خطة منظمة.
نحن الآن في مرحلة أحوج ما نكون فيها إلى أن نظهر أمام العالم في محافله ومعارضه ومؤتمراته وحفلاته ومهرجاناته ومراكز دراساته، نتحدث إليهم ونقدم أنفسنا بكل ما نملك من عمق تاريخي وأصالة حضارية وتنوع إبداعي في كل المجالات، لتبدو الحقيقة المغيبة ولتتداعى الصورة المشوهة التي عملت على رسمها وصياغتها وإعادة تدويرها بأشكال مختلفة جهات معادية؛ مدفوعة بعوامل أيدلوجية أو بجهل تام عمن نحن أو بنقص في المعلومات الصحيحة أو بتسليم مطلق بالصورة النمطية المزيفة.
وفي الوقت الذي انطلق النشاط الثقافي والفني والترفيهي بمستوياته المتعددة وخرجت المملكة من حقبة تأثير ما سمي بـ «الصحوة» التي اختطفت المجتمع السعودي أكثر من ثلاثة عقود ورسخت صورة سلبية؛ تحول المجتمع سريعًا وبشغف إلى معانقة الحياة والقفز على تلك المرحلة واستعاد ذاته الأصيلة بعزيمة وشجاعة وبصيرة قائد التحول ورائد الرؤية الحضارية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وبتوجيه ورعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظهما الله - وحدث ما يمكن أن نسميه خروجًا من قمقم مرحلة صعبة ومريرة قيد فيها المجتمع وتضاءلت فيها النشاطات الثقافية والفنية ورسخت صورة كان يراد لها أن تكون الثابتة، لكن عبقرية القيادة التي لا تغيب عبرت بسفينة الدولة والمجتمع إلى شاطئ الأمان وانطلق المارد السعودي بعنفوانه وثقته وطموحه وحيويته وقوة تأثيره وإبداعه من جديد كما كان دائمًا في كل مراحله التاريخية العفوية الطبيعية.
في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى بث هذا الزخم من النشاط والحيوية الثقافية والفنية والترفيهية في كل مناطق المملكة والتعريف بتاريخنا وأدبنا وتراثنا وفلكلورنا وعاداتنا الاجتماعية الطيبة بلغات عالمية عدة تختفي (الثقافية)!
وكنا نطمح إلى تكوين منصات إعلامية جديدة تستوعب الحالة الثقافية والفنية الفوارة وتحسن تقديمها إلى العالم بلغات عدة إلى جانب العربية؛ لكننا نفاجأ بقص جناح كانت تحلق به الثقافة في سماء المهرجانات والمناسبات الوطنية ومعارض الكتب وتعرف بالأدباء والمفكرين السعوديين وتناقش قضايا وهموم الثقافة والفن، تم وأدها دون مسوغ مقنع إلا ما يتردد عن ضعف القناة الذي كان في الوسع معالجته بحكمة وعزيمة وبصيرة نافذة باختيار الكفاءات المميزة في الإدارة والإعلام وبالدعم المالي الضروري لتشغيل القناة.
إن النظر إلى أن الثقافة استثمار فقط رؤية متقدمة جدًا على المرحلة التي نعيشها، نحن اليوم لا مناص لنا من أن ننفق كما تنفق الدولة بسخاء على التعليم لا فرق، فكلاهما يؤدي المهمة السامية نفسها في نهضة بلادنا ورسم صورتها الحقيقية؛ لأن الإعلام تنوير وإظهار للحقائق وإبراز للصورة المشوهة أو المغيبة ودفاع ناعم عن الوطن.
والعمل الثقافي مهما كان متميزًا بلا إعلام قوي ومؤثر كالعمل في بيئة ظلماء مطفأة الأنوار لا أحد يدري أو يعلم ما يدور فيها.