ياسر صالح البهيجان
مرّ عام تقريبًا، منذ أن أصدر منتدى الاقتصاد العالمي تقريره الدولي حول مؤشرات الأداء البيئي والذي صنف 180 دولة بحسب 24 معيارًا للأداء تركز على الصحة البيئية والنظم الحيويّة. ضمت القائمة حينها مدنًا سعودية منها الدمام والرياض والجبيل الصناعية، وصُنفت من بين المدن الأكثر تلوثًا في العالم، في ظل ازدياد أعمال مصانع المعادن والكيماويات بالقرب من التجمعات السكانية في تلك المدن، إلى جانب الملوثات الصادرة عن عوادم السيارات ومحدودية الغطاء النباتي الذي أنتج تزايدًا في ظاهرة التصحر.
والحق أن ارتفاع معدلات التلوث في الهواء بات ظاهرة دولية، إذ ترى منظمة الصحة العالمية أن 9 أشخاص من أصل 10 ممن يعيشون على كوكب الأرض يتنفسون هواءً ملوثًا، وفي وقت لم يخفِ فيه مركز مراقبة وأرصاد هاواي الأمريكية أن كوكبنا يعيش أسوأ حالات تلوث الهواء بعد أن سُجلت نسب تلوث غير مسبوقة لم تعش مثلها الأرض منذ أكثر من 800 ألف عام. نحن في هذا الإطار جزء من العالم الذي يكافح من أجل الحفاظ على جودة هواء نقيّة لا سيمّا وأن لدينا رؤية طموحة لم تغفل جانب تحسين جودة الحياة في مدننا، ولا شك في أن الهواء النقي أحد أبرز مقومات الحياة الجيدة والصحة السليمة.
وتشير دراسات حديثة إلى أن 50 بالمائة من تلوث الهواء في المدن السعودية ناتج عن انبعاثات غازات احتراق الوقود في محركات المركبات، في ظل اعتماد السكان على السيارات كوسيلة نقل رئيسية لغياب وسائل النقل العام كالميترو وحافلات النقل الترددي وغيرها من البدائل التي تقلل من استعمال المركبات، ولعل هذه الملاحظة تدفعنا سريعًا إلى تفعيل وسائل النقل البديلة والآمنة بيئيًا على مستوى مدن المملكة كافة، على أن يتزامن معها حملات توعويّة للسكّان تحثهم على استعمال النقل العام بوصفه الخيار الأكثر تحضرًا والذي يكشف مدى إدراك الفرد أهمية الحفاظ على جودة الهواء في بيئته.
والخطوة التي لا تقل أهمية عن تفعيلنا لوسائل النقل العام هي اتجاهنا نحو زيادة مساحة الرقعة الخضراء في مدننا، فمشروع مثل «الرياض الخضراء» الذي يَعد بزراعة أكثر من 7 ملايين شجرة جدير بأن يُطبق في مختلف المدن السعودية، لما للنبات من دور فاعل في تحسين جودة الحياة وتنقية الهواء ومواجهة مظاهر التصحر والرياح المثيرة للأتربة، وخفض معدلات درجة الحرارة.
التحدي أمامنا وأمام العالم أجمع جسيم، وتكاتف الجهود بين مختلف مؤسسات الدولة والقطاع الخاص ضرورة حتمية لمواجهة ظاهرة تلوث الهواء، شريطة أن يتماشى ذلك مع سن نظم بيئية جديدة تتجه نحو الطاقة النظيفة، وتضع ضوابط صرامة لنقل المدن الصناعية بعيدًا عن التجمعات السكانية، وإلزام مشغلي المصانع باستعمال تكنولوجيات الإنتاج الحديثة التي تخفض معدلات التلوث إلى أدنى مستوياتها.