د. محمد بن إبراهيم الملحم
تحدثت في المقالة السابقة عن هيكل الوزارة الجديد وإشكالية وضع الإشراف التربوي في هذا الهيكل ففي حين يمثل هذا الجزء من جهاز الوزارة العصب الرئيس لعمليات الوزارة التطويرية للجانب التعليمي فإنه دائمًا يعاني من القلق، ويعود ذلك إلى منافسة الإدارات الإشرافية الأخرى (كالإرشاد الطلابي والنشاط والطفولة المبكرة والموهوبين) لهذا المجال الحيوي المهم والمشكلة الأكبر هي عدم عدالة تعامل أصحاب القرار مع هذه الأشقاء المتنافسة! وهو تنافس غير محمود فكل منهم هدفه النهائي الطالب ولكن لكل طريقته الخاصة التي قد تؤثر سلبًا على نشاط الطرف الآخر: ففي حين يستهدف الإشراف التربوي تحسين عمليات التعلم والتعليم ويحتاج إلى مساحات زمنية وميزانيات لتحقيق أهدافه فإن النشاط الطلابي ليست هذه من اهتمامه بل ربما حقق أهدافه في تنفيذ أنشطته اللا صفية على حساب عمليات التعلم، وأما الإرشاد الطلابي فعلى الرغم من أهميته لرعاية البيئة النفسية لعمليات التعلم التي يهتم بها الإشراف التربوي إلا أنه في كثير من الأحيان لا يتحدث نفس اللغة وربما عانى شيئًا من القصور في اتباع نفس مذاهب وأساليب الإشراف التربوي لذا فهو في بعض مراحله «التاريخية» (وربما في بعض الأماكن بتنوع مناطق المملكة وتباينها في إدارة العملية التعليمية) أغرق في عمليات التوثيق والسجلات بأسلوب شكلي لإثبات الذات بينما ظل الطالب لا يجد ما يحتاجه من الخدمة الإرشادية الحقيقية سواء كان ذلك لنقص المتخصصين أو لضعف التأهيل أصلا حتى دخل في الإرشاد كثير ممن لا يفقه فيه أو ليس جديرًا به، ولو عدنا إلى النشاط الطلابي الذي ظل طوال تاريخه منافسًا للإشراف التربوي لوجدناه ينعم في الميزانيات ويتنعم برضا المسؤولين عنه لأنه على الدوام مصدر الحفلات والمظاهر البراقة التي يحفل بها المسؤول لدورها القوي في إبراز صورة «إنجاز» يفهمه ويراه الناس وهذا على مستوى كل من الإدارات التعليمية أو الوزارة ذاتها، ولذلك لا يعاني النشاط مما تعانيه أجهزة الإشراف التربوي بل هو يزاحمها على مساحة الوقت التي يحتاجها الإشراف لتطوير عمليات التعلم ودائمًا تكون للنشاط الغلبة كولد مدلل للمسؤولين لدوره الإعلامي القوي. وهذه إشكالية معروفة لا تعتبر سرًا يذاع ويعيها كبار المسؤولين بدون شك، ولهذا رأينا النشاط الطلابي (وغيره من أجهزة «الإشراف») في إدارات مستقلة ضمن الهيكل الجديد بينما كان يمكن أن تكون «مثلا» جهازا واحدًا مع الإشراف لحل هذه الإشكاليات، ومع أن تواجدها معًا ضمن وكالة واحدة يهدف إلى تحقيق هذه الغاية لكنه هو ذات الوضع في الهيكل السابق.. لذا ينبغي أن يكون هناك ما يدعم الإشراف ليرتقي مع منع الأجهزة الشقيقة في مزاحمته على أداء دوره والكلام في هذا الشأن يطول ويتشعب.
وفي هذا السياق لا أبرئ الإشراف التربوي من النقائص فهو جهاز متضخم وبه أورام بعضها حميد وبعضها غير حميد فعلى الرغم من أنه لم يتمكن من الارتقاء بعمليات التعلم بالدرجة المطلوبة ولم يتمكن من ضبط السلوك التدريسي في إطارات قياسية إلا أنه أيضًا عانى نقصًا حادًّا في الجودة لتطوير ذاته فاستجاب لظاهرة عزوف المعلمين عن التقدم للعمل الإشرافي فانخفضت معاييره لاختيار المشرفين وبالتالي دخل إليه في السنوات العشرين الأخيرة (منذ قرابة 1420 تقريبا) خلق كثير ممن قدارتهم التدريسية ووعيهم الفكري التربوي ليس ضمن مستوى هذه المهمة، وعلى الرغم من توافر صحوة مؤخرًا لحسن اختيار المشرفين من خلال اختبارات قياسية وخطوات أكثر فعالية إلا أن الجيل الذي دخل في السنوات السابقة ستكون له آثاره السلبية على الأداء ما لم تعمد الوزارة إلى إجراءات تحسينية نوعية ومميزة لمستويات القائمين على رأس العمل.
كيف يمكن للهيكل أن يساهم في حل هذه الأزمات المتداخلة في أجهزة الإشراف؟ سأتناول ذلك بإذن الله.