أ.د.عثمان بن صالح العامر
الإجازة فرصة للإنسان أن يعيش تجارب جديدة يكتسب منها أولاً معرفة نفسه، ثم يتدرب على ترويضها والانتصار عليها في منعها ما تشتهيه وإن كان في مقدورها الوصول إليه، وتعويدها على كسر الروتين الذي تعودت عليه طول ما مضى من سنوات العمر، وهذا ليس بالأمر السهل وإن كان في دائرة المستطاع خاصة لمن ألفوا النعيم واعتادوا حياة الترف، فالألف - كما يُقال - غطاء ثقيل على عقل الإنسان -.
وخلاف ما قد يعتقد البعض فإن هذا التحدي مهم جداً في حياة كل منا بل هو أهم تحد - في نظري - وأعظم امتحان يجريه المرء في حياته.
لقد جعل الله - عزَّ وجلَّ- لدى الإنسان قابلية التكيّف مع ما يستجد في ذاته جسدياً ونفسياً أو يتبدل في محيطه الاجتماعي القريب منه والبعيد، حتى وإن كانت - لا سمح الله- هذه التغيُّرات والمستجدات قاسية ومخيفة حسب رؤيته الخاصة وبناءً على موازينه الشخصية، ومع ذلك فإن كثيراً منا وأنا أولهم أعجز من أن ننتصر على ذواتنا في أبسط الأمور وفيما فيه مصلحتنا الصحية مثلاً، كالانضباط بالحمية التي ينصحنا بها الأطباء، وقس على ذلك الالتزام بمواعيد أخذ الدواء، والرياضة اليومية وتخفيف الوزن، وزيارة الطبيب، والكشف والتحليل الدوري، و... ومثلها حياتنا الفكرية كالقراءة المنتظمة والكتابة البحثية المعمّقة وغير ذلك كثير، فنحن غالباً أهل الإنجاز في الساعة الأخيرة، وأصحاب التسويف والإهمال للأسف الشديد، وهذه ظاهرة مجتمعية وليست حالات فردية تحتاج إلى دراسات معمّقة وحلول جذرية.
يذكر لي أحد المقرّبين من رجل أعمال شهير أن أهم درس استفاده من هذا الرجل قوته على أن يقول لنفسه (لا) متى ما أراد ذلك، وأن يفرض عليها قرارات صارمة من الصعب جداً على الإنسان العادي أن يلجمها ويخضعها لمثل هذه القرارات كما يفعل هو بين الفينة والأخرى، مع أن باستطاعته ألاّ يقول لها في طول حياته وعرضها (لا)، ولكنه يفعل ذلك - كما يقول هو عن نفسه - حتى يعود نفسه على الضبط والصرامة في أموره كلها و(بهذا استطعت أن أصل إلى ما وصلت إليه)، مع العلم أنه يمارس هذا الشيء كنوع من الرياضة التي يروِّح بها عن نفسه بين الفينة والأخرى، حتى اعتادت على هذا النمط من العيش الذي قد يستغربه الإنسان من مثل هذا الثري الذي بلغ من السن ما بلغ، وحتى يشعر بلذة النعيم الذي هو فيه حين يعود له بعد انقطاع وتوقف إرادي قصير.
إنه باختصار التحدي للذات والانتصار على النفس التي لن يتحقق إلا بوجود الإرادة القوية والعزيمة الصادقة والثقة المطلقة بعد صدق التوكل على الله والاعتصام بحبله، وهذا ما نحتاجه نحن وأهلنا في هذا الزمن بالذات، وما يجب أن نربي عليه أولادنا الذكور والإناث الصغار والكبار، دمتم بخير، وإلى لقاء والسلام.