زكية إبراهيم الحجي
هل يمكن التغلب على العنف أم أن الدعوة إلى السلم واللاعنف صيغة مثالية؟ هل يبقى العنف أزلياً أم أنه سيكون ظاهرة عابرة في تاريخ البشرية.. وحالة استثنائية لا تستوجب الوقوف عندها أو التأمل في مجرياتها.. ثم بأي معنى يمكن اعتبار الإنسان كائناً عنيفاً.. وهل يمكن أن نعتبر العنف حالة طبيعية قد تسيطر على الإنسان في لحظة ما.. أم أنه نتاج ظروف متعددة يعيشها الإنسان في مجتمعه.. أسئلة متعددة حول ظاهرة متشابكة الخيوط معقدة الأوصال حلها بعيد المنال.. ظاهرة باتت تشكل قضية إنسانية كبرى تشغل البشرية رغم ما تشهده من مدنية وتحضر وارتقاء في مجال العلم والمعرفة وشتى المجالات.
تمر الإنسانية في عصرها الحالي بظروف أكثر تعقيداً وأشد تأزماً من أي وقت مضى.. وتتبدى هذه الظروف العصيبة فيما يتلبس الإنسان ويعتريه من حالة تخوف وتوجس حول نفسه وما قد يحيط به من ظروف اقتصادية واجتماعية يستشعر من خلالها تأثيراً سلبياً على حياته ومن يحيط به من العائلة والأطفال.. وبالتالي على نسيج المجتمع نتيجة عدم الشعور بالأمان.. ما يجعله يلجأ إلى التنفيس عن طريق اللجوء إلى آلية العنف، متوهماً أنه الطريق الأمثل ليتحرر من قيود الظروف التي يمر بها.
لا مناص بأن العنف ظاهرة منتشرة ولا يوجد مجتمع يخلو منها.. والمجتمعات عبر التاريخ بداية من الإنسان البدائي الذي حكمته شرائعه وقوانينه البسيطة إلى الإنسان المتحضر الذي وسع دائرته إلى مجتمع المدنية والحضارة والقوانين المطورة والحديثة نجد أن البعض في هذه المجتمعات لم يتنصل من حنينه لرغبة العنف البدائي.. بل ألبسوا بعض أنواع العنف لبوساً متحضراً ليصبح مقنعاً بأقنعة حضارية أو دعاوى مشروعيته أيدلوجياً وهذا لبُّ الخطر على البشرية.. فكيف الحديث عن اللاعنف وسط ازدحام المشهد العام إقليمياً ودولياً ومجتمعياً بالعنف ومسوغاته المختلفة.. وهل ثمة مساحة يبقى فيها استخدام العنف مبرراً وإن كانت محدودة.. وحتى إن كانت هناك اختلافات بيّنة في تحديد تلك الحدود.
يحضرني وأنا أكتب هذه السطور مقولة للأديب الروسي «تولستوي» حيث قال «إذا كان الجميع يدافع عن نفسه.. فمن أين يأتي الهجوم «بمعنى من هو البادئ ومن هو المسبّب..»، ولعل ما قاله «تولستوي» نراه يتكرر في الحروب الدولية والنزاعات المسلحة والحروب الأهلية وحتى بين الأشخاص في المجتمع الواحد.. كما نراه في بعض البيوت الأسرية أو المدارس أو غير ذلك.. فكل يعطي نفسه حق شرعية استخدام العنف.
إن الحقيقة التي تبقى ماثلة أمام المجتمعات البشرية بأكملها أنها ما زالت أبعد من اختراع التقاليد اللاعنفية.. ووضع قواعد للسلام لا تعكرها السياسة أو الطائفية أو المذهبية.. القبلية أو العنصرية.