د.محمد بن عبدالرحمن البشر
سؤال قد يكون من أهم الأسئلة الاستفهامية على مر التاريخ، وأصعبها جواباً، ولا بد من أنها ستستمر كذلك، وهي أكثر الأدوات الاستفهامية إشباعاً للذات البشرية، وأكثرها استخداماً من قِبل الإنسان.
الطفل الصغير وفي عمر معيّن يبدأ بطرح هذا السؤال لماذا؟ ثم يزيد استخدامه لهذه الأداة الاستفهامية حتى إنه قد يزعج ذويه ومن حوله من مربين وأصحاب بتكرار استخدام هذه الأداة، وهو لا يعرف قيوداً اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو إيمانية، فهو يطرح ما يرى أنه يستوجب جواباً دون معرفة بالحدود التي يجب عليه الوقوف عندها، والأسئلة المحظور عليه ذكرها، أخلاقياً أو اجتماعياً، وغير ذلك، فهو كالفراشة تطير كيفما شاءت دون قيود بنظام معين كما هي النحل، أو سائر الطيور.
وأداة الاستفهام هذه، تصاحب المرء منذ صباه وفي ريعان شبابه وكهولته وشيخوخته ولا أعتقد أن أحداً قد توفاه الله، وليس في ذهنه بقية من سؤال باستخدام هذه الأداة، وهناك من يضمرها في نفسه ولا يبوح بها، وهناك من قد يبوح بها لعدد محدود ممن حوله.
علينا أن نعرف أن هذه الأداة الاستفهامية هي التي صنعت الكثير من المخترعات، فلولا تلك الأداة لما حاول عباس بن فرناس الطيران بتقليده الطير، لكنه فيما يبدو نسي الذيل فسقط ونجا أو ربما تعفَّف من وضع الذيل، ثم تبع نهجه الأخوان رايت بعد قرون من الدهر ليحسبا حساب كل شيء، وينجحا في صنع الطائرة بسؤالهما لماذا لا نطير كما يطير الطائر. ولولا ذلك التساؤل من قبل إسحاق نيوتن عن سقوط التفاحة لما عرفنا قوانين الجاذبية، ولولاها لما أدرك مندل قوانين الوراثة.
السؤال الأكبر، لماذا يقتل الإنسان إنساناً آخر، هل ذلك جبلة وفطرة بشرية، ابتداءً من قتل قابيل لهابيل، أو قابيين، وذلك لتقديم هابيل وهو راعي الغنم، قرباناً أفضل من قربان هابيل الذي يعمل في الزراعة، كما تذكر التوراة، مما يجعلنا نجيب على أول خطيئة لبني البشر بعد أن أنزل الله آدم وحواء على الأرض، فيكون جواب ذلك السؤال الاستفهامي هو أن الغيرة والحقد والحسد هي سبب القتل، مع أن هابيل قد أخبره أنه لن يبسط يده للقتل، لكن قابيل بسط يده للقتل وغدر بأخيه رغم أنه لم يفعل شيئاً حياله.
الكتب السماوية التي أنزلها الله على رسله بغض النظر عن ما شاب بعضها من تحريف، تدعو إلى السلم، وتحرِّم الظلم والقتل، فالمحرِّض الأساسي دافع ذاتي نفسي جاءت الكتب السماوية لتهذّبه، وتزيل ما كان في مكنون نفسه مثل ما فعل قابيل بهابيل، فالإيمان الصادق هو القادر على انتزاع ذلك الشر من عقل الإنسان، ومن العجب أن عدد من يموتون بسبب البشر فيما بينهم ربما يكون أكثر من أولئك الأموات بسبب المخلوقات الأخرى، إذا استثنينا الأوبئة ومسبباتها من الفيروسات، وغيرها.
سألني أحد أبنائي سؤالاً حيّرني، أو لا بد أن الكثير قد اجتهد للإجابة عليه، لكنني لم أبحث في ذلك، والسؤال: لماذا كانت منطقة الشرق الأوسط، لاسيما العراق والشام وفلسطين ومصر مهد الحضارات؟ ومن المؤكد أن مئات الباحثين قد بحثوا عن جواب لذلك، ولعل أسباباً كثيرة كانت وراء احتضان هذه المنطقة للحضارة لسنين غابرة كثيرة، ربما يكون من أسباب ذلك موقعها، فمن المعلوم أن شمال الكرة الأرضية كان يغطى بالجليد في فترة الجليد القديمة والمتوسطة والحديثة وأن انحسارها قد بدأ بالتدريج وانحسر قبل عشرين ألف عام، مما يعني أنه بعد انحساره أصبحت أرض الشرق الأوسط أكثر راحة للحياة البشرية، فهي ذات مناخ متميز في بداية ذلك الزمن، ثم أخذ الإنسان يقوم بالزراعة على ضفاف الأنهار قبل اثني عشر ألف سنة، ولا شك أن التجمع السكاني يجعل هذه المجموعات تفكر في وضع أدوات تسهّل تسيير حياتها وتوفير ما تحتاجه من مأكل ومشرب.
ولدى السومريين قبل خمس آلاف عام شواهد على تطوير ذاتهم ومجاميعهم ليكونوا الحضارة الأولى في العراق بجانب بحر كما وجد مكتوباً على أحد شواهدهم الصخرية لكننا لا نعلم أي الجبال، يعنون.
والساميون ولغتهم الكنعانية السامية استمروا في تطوير الحضارة وانبثق منهم مجموعات سامية عرقية ولغوية مثل العرب والكلدانيون، والأكديون، والسريان، والفينيقيون، والعبرانيون، والآشوريون، والعموريون وغيرهم.
وفي مصر حضارة أخرى عظيمة بدأت قبل خمسة آلاف وثلاثمائة عام، استطاعت أن تصنع معجزات خالدة حتى يومنا هذا، وهذا بفضل التجمع ومحاولة التطوير، ولولا الحروب المتواصلة في هذه المنطقة في ذلك التاريخ، لحصلنا على إرث عظيم من بقايا تلك الحضارة،
والسؤال الآخر الذي تم طرحه: لماذا هذه المنطقة مهد الكتب السماوية وليس غيرها، وهل وجود الحضارة جعلها تكون مصدر إشعاع ديني لجميع البشر ونقطة نور وضاءة للبشرية؟ سؤال يحتاج إلى جواب، والله أعلم أين يضع رسالته سواءً للمكان، أو الزمان أو الإنسان، وعلينا أن نؤمن إيماناً مطلقاً بذلك.