أحمد عبدالعزيز الجنيدل
هنالك اعتقاد راسخ وخاطئ عند الكثير وهو أن روسيا وإيران حلفاء، يصل هذا التصور ذروته عند بعض المحسوبين على محور الممانعة في تمجيدهم لبوتين وإعطائه لقب «أبو علي».. لكن في أكثر لحظات الحرب الباردة سخونة لم تتحول إيران الثورة الإسلامية إلى حليف لـ الاتحاد السوفيتي رغم تشاركهما في الحدود والعداء للولايات المتحدة. والحقيقة أن ما يجمع بين الدولتين اليوم كما في كان الأمس أقل مما يفرق بينهما، والعلاقة التي بينهما أكثر هشاشة من أن تتحمل ثقل وصف حلفاء.
يجب التنبه أولاً إلى أن الأساس الذي يلتقي فيهما الطرفان -وهو العداء ضد الولايات المتحدة- ليس ذا طبيعة واحدة، فـ روسيا تؤطر عداءها ضد الولايات المتحدة باعتباره تنافساً عالمياً على مناطق نفوذٍ وموارد طبيعية، وهذا التنافس لا يمنع الوصول إلى كثير من التسويات والتعاون في كثير من المجالات.. على الجانب الآخر، إيران تؤطر عداءها مع الولايات المتحدة باعتباره عداءً وجودياً وصراعاً بين الحق والباطل تتحول فيه أمريكا إلى الشيطان الأكبر.. واختلاف العداء ضد الولايات المتحدة انعكس على علاقة هذه الدول مع حلفاء أمريكا في المنطقة.. فروسيا تحرص على الحفاظ على علاقة ممتازة مع دول الخليج ومع مصر الذين هم حلفاء تقليديون لـ الولايات المتحدة، لكن إيران وبسبب طبيعة العداء المطلق لـ الولايات المتحدة فهي ترى أن هذه الدول أعداء لها أيضاً. الأمر الآخر هو إسرائيل، فـ منذ عهد الاتحاد السوفيتي كانت هنالك علاقة جيدة بين البلدين، وعلى خلاف بعض الأنظمة الشيوعية في أمريكا الجنوبية فإن الاتحاد السوفيتي لم ينظر إلى إسرائيل باعتبارها كياناً استعمارياً ولم يناصبها العداء، وفي العهد الحالي فإن روسيا تحتفظ بعلاقة ممتازة مع إسرائيل وتحديداً مع رئيس وزرائها الأكثر يمينية بنيامين نتنياهو، بل إن روسيا رفضت استخدام أسلحتها لصد الهجمات الإسرائيلية المختلفة على سوريا. على المقلب الآخر، فإن إيران لا تعترف بإسرائيل وتصرح أن هدفها هو إزالة إسرائيل.
وتسليح الميلشيات الطائفية هو أحد أهم أدوات السياسية الإيرانية الخارجية، وهنا روسيا تفترق عن إيران. فروسيا لا تكترث بأمر هذه الميلشيات ولا تشعر أنها تخدم مصالحها القومية، وذلك راجع أولاً: إلى التجربة المريرة التي خاضتها في مواجهة المليشيات الدينية سواء في أفغانستان أو الشيشان وتراها خطراً عالمياً.. وثانياً: إن الرؤية الإستراتيجية لروسيا ترى الحل لدول الشرق الأوسط يكمن في تقوية أجهزة الدولة على حساب الميلشيات.. ولذلك روسيا دعمت سياسيا التحالف العربي بقيادة السعودية في حربه ضد الحوثي وألمحت أكثر من مرة أن دور المليشيات الشيعية في سوريا يجب أن ينتهي مع انتهاء المواجهات المسلحة.
أكثر من ذلك، روسيا لا تدعم إيران في امتلاك سلاح نووي.. هي شاركت في الأمم المتحدة لفرض عقوبات على إيران والتزمت بتلك العقوبات، وكان الاتفاق النووي مع إيران يقضي بعدم تطوير سلاح نووي إيراني.. أحد المحللين قال: «إن روسيا ليست بوارد التفريط بسمعتها باعتبارها قوة عظمى حريصة على الحد من انتشار السلاح النووي بالسماح لإيران بامتلاكه».. بالإضافة إلى أن روسيا ليس من مصلحتها وصول سلاح يغير موازين القوى في المنطقة إلى إيران.. لأن ذلك يقوي إيران ويجعلها قادرة على صنع سياسة خارجية مستقلة تماماً عن روسياً.
لكن هنالك جوانب مختلفة تحاول روسيا فعلها لمساعدة إيران. فروسيا قامت بدور بارز في منظمة أوبك للخروج باتفاق يخدم إيران وهي ترى ضرورة التنسيق في سياسة الطاقة للبلدان الرئيسية المصدرة للنفط بما فيها إيران. وروسيا صادقة حينما تقول أنها تريد مساعدة إيران اقتصاديا، لكنها لا تستطيع فعل شيئاً حيال ذلك.. إن مشكلة روسيا وإيران أنهما تقدِّمان نفس المنتج الذي هو النفط والغاز وكلتاهما ليس مستورداً للنفط بل مصدر له.. حتى حينما قررت روسيا مساعدة إيران عملياً لم تجد سوى أن تدخل معها في اتفاقية لمعاوضة النفط الإيراني مقابل منتجات زراعية وغذائية روسية، لكن ظل التبادل التجاري في حدود الـ 2 مليار دولار وهو رقم ضئيل جداً.
روسيا وجدت في الأزمة الإيرانية فرصة لتلعب دور الوسيط وتؤكد أنها قوة عظمة مرة أخرى.. لكن الأمر الوحيد الذي يجمع بين إيران وروسيا هو العداء لأمريكا لكن هذا الجامع لم يتحول إلى أساس صلب بالإمكان بناء تحالف عليه، لذلك لا يمكن وصف العلاقة بين إيران وروسيا أنها تحالف إستراتيجي تجمعه رؤية وتصور واحد للمنطقة وأمنها، بل الأكثر دقة بحسب أحد المحللين السياسيين هو وصفها بأنها علاقة «تكتيكية» مرحلية.