سلمان بن محمد العُمري
المعاملة الحسنة في الإسلام وعدم التمييز حق للجميع، ومن حق كل إِنسان من حيث هو إِنسان أن يجد من المسلمين معاملة طيبة لا فرق فيها بين غني وفقير، فلا ميزة لإِنسان على إِنسان وتفاضل في الدين إلا بالتقوى، وفي الدنيا العمل والخلق، وقد حارب الإسلام العنصرية والعصبية بكل شدة وقاومها؛ فلا تعصب للون ولا لجنس، ولا لفئة ولا لبلد، والله سبحانه وتعالى لم يفضل لونًا على لون، ولا جنسًا على جنس، وقد أخبرنا عن ذلك للإعلام والبيان لا للتفضيل. وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاختلاف أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ .
في خطبة الوداع كان مما أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم بيان حقوق الإِنسان في أخلد خطبة عرفها التاريخ حيث قال: (أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى ألا هل بلغت اللهم أشهد).
فالإسلام يجمع ولا يشتت ويوحد ولا يفرق، وكذلك الأنظمة والقوانين الوطنية الاجتماعية يتوحد فيها الناس تحت آصرة عظيمة قوية هي الآصرة الإِنسانية والوطنية.
ومن مظاهر العنصرية المقيتة التي لا تكاد تخلو منها المجتمعات البشرية ظاهرة الانتقاء والتمييز قبل وأثناء العمل بعيدًا عن معايير الكفاءة، وقد أعلنت شركة لينكد إن الشهيرة بأن 80 في المائة من الوظائف تتم بسبب معرفة أشخاص في العمل نفسه، وهذا يعني أن المقومات والكفاءات العلمية والخبرات العملية لم تحصل إلا على 20 في المائة من الوظائف عالميًا، واستخلصت الدراسة إلى أن العلاقات هي المحور الأساسي للتوظيف في العالم، ونحن لسنا بمعزل عن هذه النتيجة فلنا سوق رائجة للشفاعة والواسطة والمحسوبية في التعيين، وأثناء العمل يضاف للشق الآخر نسبة من «الفهلوة» حتى ينال الحظوة والتقديم من بين زملائه المجدين حتى وإن كان في آخر الركب علمًا وخبرة.
وفي المقابل ولله الحمد فلدينا من الرجال المخلصين الأمناء من أصحاب القلوب النقية التقية يحول بينهم وبين انتقاص حقوق الآخرين، وهم ممن يستقر بهم المجتمع وتهنأ بهم الأمة لأن أخذهم وعطاءهم مبني على معيار الحسن والصلاح بعيدًا عن الهوى يأخذ ما يرى فيه المنفعة ويترك ما فيه الضرر، وفي كل مسؤولية تسند إليه فيعمل بمبدأ الأمانة والعزم على الإخلاص ولأنه يؤمن بأن العمل تكليف وليس تشريفًا، وأن عليه واجب تغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية والذاتية والأنانية المقيتة.
وإذا كان الغش والاحتكار من أبشع صور الكسب الحرام في البيوع، فإن الغش في الأمانات والوظائف بتولية وتعيين وتكليف من لا يستحق تماثل الغش والاحتكار في البيوع، فكلاهما سلوك خبيث يدل على ضعف الإيمان وسوء الخلق والأنانية البغيضة وفيه خيانة للأمانة وهو أسلوب وطريق لا تعمر به الحياة السليمة ولايستقر به مجتمع، ولا ينهض ولا يتقدم ولا ترقى به أمم لأنه قد غير المجدين والمبرزين، وهو من الإفساد حينما تبخس حقوق الناس ليس في المكاييل والموازين الشرائية والبيوع فحسب بل في سائر أمور الحياة ومنها الوظائف، قال تعالى: أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ. وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ. وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ .
إن العدالة الاجتماعية والأنظمة الوظيفية وقبلها الحقوق الشرعية تقتضي أن يتم مراعاة الحقوق الإِنسانية للجميع ومنها مجالات العمل الوظيفي وعدم الإضرار بحقوق الناس «لا ضرر ولا ضرار»، والبعض يفهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «خير الناس أنفعهم للناس» على غير مفهومه فنفع الناس لا يكون على حساب الإضرار بالآخرين، وبخسهم حقوقهم لغرض خدمة ذوي القربى، والمصالح.
إن المحسوبيات وعدم أداء الأمانة آفة من الآفات الاجتماعية والاقتصادية فهي تعطل القدرات وتهدر الطاقات في المجتمع، وتبدد ثروات الأمة، والواجب على كل من ولي الأمانة أن يحافظ عليها، وأن يكون منضبطًا بها في كل أعماله، ومنها ما يتعلق بالموظفين اختيارًا وتكليفًا ومتابعة وتقويمًا، وحينما يكون شعار الأمانة والانضباط متحققًا في كل دائرة وموقع عمل فسيكون ذلك ذا أثر بالغ في التميز في الأداء وارتفاع مستوى الإنتاج.