خالد محمد الدوس
الموت طالب لا يعجزه المقيم، ولا ينفلت منه الهارب، فهو قضاء نافذ، وحكم شامل، وأمر حاتم لازم، لا مهرب منه ولا مناص.. يقول الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجنَّة فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]، وقال تعالى: { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35].
نعم، الموت حق، والنفس المطمئنة ترجع إلى ربها راضية مرضية مطمئنة.. ففي يوم الخميس الموافق 25-9-1440هـ انتقلت إلى رحمة الله تعالى قريبتي الشابة (أروى بنت ناصر المريشد) بعد معاناتها مع المرض الذي بدأ معها منذ صغرها. وقد كانت رغم مرضها الذي كان في البداية إصابتها بفشل كلوي صابرة ومحتسبة قبل أن يتم زراعة كلية لها، وتقوم بنشاط حيوي وظيفي، يخدم كتاب الله -عز وجل- من خلال قيامها بالمشاركة في جمعية تحفيظ القرآن الكريم النسائية بجامع الشيخ الراجحي بشرق الرياض، واستمرت في هذا النشاط الإيماني الخيري، ثم أُصيبت بمرض عضال، ولازمت سرير المرض، وأجرت عملية(...)! ولكن المرض تمكَّن منها، وفارقت الحياة وهي في منتصف عقدها الثالث بعد أن عاشت حياة كانت مختلفة تمامًا عن بنات جنسها!
عاشت فقيدتنا الغالية قوية صابرة شاكرة، تحمد الله على كل حال، وهي تخدم حفظة كتاب الله. ولا غرو في ذلك؛ فقد كانت -رحمها الله- فتاة صالحة، صبرت على مرضها طويلاً، ومع شدة السقم والمرض والابتلاء كانت نموذجًا من الصبر والاحتساب والإيمان بقضاء الله وقدره.. لم تفارقها الابتسامة والبشاشة عندما يزورها والداها أو الأقارب وكل من أحب هذه الفتاة الصالحة من زميلاتها وأقرانها..
ولأن الإيمان - كما يقول (طبيب القلوب) الإمام (ابن القيم) رحمه الله - نصفان، نصف شكر، ونصف صبر, فقد كانت (أروى القيم) كثيرة الشكر والحمد في كل حال.. ومتمسكة بحبل الصبر المتين بالذات مع بداية دخول المرض العضال جسدها الطاهر.. ومع ذلك كانت -رحمها الله- باسمة الثغر، متسامحة، محبة لكل خير.. كانت نموذجًا للخُلق الرفيع والقيم الدينية والأدب.. تحب مساعدة الغير بالعطاء والمشاعر والدعاء والقيم الإيمانية السامية التي تنشأت عليها منذ طفولتها في كنف والديها.. وقد لازمت جدتها من أمها الراحلة الوالدة (سارة بنت عبد الرحمن الغريبي) -غفر الله لها- التي كانت مدرسة من الطيبة والحنان والعواطف والإحسان والصبر والحلم وحب الخير والسخاء بقلبها الكبير الذي احتوى الجميع، وكانت امرأة صالحة، صبرت هي أيضًا على مرضها طويلاً، ومع شدة السقم والمرض والابتلاء كانت (جبلاً) من الصبر والاحتساب والإيمان بقضاء الله وقدره، تحب المساكين، وتنفق على المحتاجين، فضلاً عن دعم حفظة كتاب الله في دور التحفيظ النسائية؛ وهو ما كان له الأثر الكبير في تأصيل حب الخير والإحسان وبذل العطاء والفضيلة في شخصيتها الإيمانية.
رحم الله فقيدتنا الغالية (أروى المريشد) التي عاشت صابرة محتسبة.. ضاحكة مستبشرة بالخير والرضا والفلاح من الله -عز وجل- بعد أن سخّرت جُل وقتها واستثماره في الأعمال الصالحة.. وفي خدمة القرآن والعناية بتعليمه وتدبيره.. وأسكنها الفردوس الأعلى من الجنة مع الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
نعزي أنفسنا ومَن فقدها ممن عرفها حق المعرفة، وجميع أسرة آل مريشد، وأخص بالعزاء والديها.. سائلين الله -عز وجل- أن يلهمهم جميعًا الصبر والسلوان، ويرحمها رحمة واسعة، ترفع درجاتها يوم تلقي ربها في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- خالد الدوس