عبدالمحسن بن علي المطلق
ليس عجيبًا زيارة الموت، فهو يسعى حتى يبلغ، وكما أتى ربه موسى على قدر كما أن كلاً.. يومًا/ على آلة حدباء.. محمول.
لكن العجب فجائية الزيارة، أو بالأصح فجائية (الخبر)، والأنكأ في أحايين هي الطريقة التي يتم بها إبلاغك، فهذه قد تأتيك من وجه يفجع.
كذا وقع عليّ رحيل أحد زملائي، وقد انقطعت العلاقة عقدًا من الزمان (حين انشغل كل بدنياه..) السبب.
فقد كلمني أحدهم بعد انقطاع، وطلبت كالعادة مع أي رقم لا أعرف صاحبه أن يتكرم، يذكرني بالاسم؟
قال: فلان..، ثم ليزيد من إيقاظ ذاكراتي.
كنا نلتقي عند إبراهيم السجا (الله يرحمه)..
هو قال جملته الأخيرة، فلم أشأ أن يعلم بعدم علمي، فثنيت.. أجل (الله يرحمه).
وبعيد الاتصال.. ذهبت في وجوم تلك الجملة، ودلالة ما تحوي.
نعم.. ومن كل قلبي نفثت (الله يرحمه).
أقولها، وكيف لا..؟!، وقد جمعتنا صحبة نافت على عقد من الزمان.
نعم الله يرحمه، فقد كان (السجا) على سجيته يتصرف، أقصد بلا تكلف وبالمناسبة/
جاء في قوله تعالى القسم بـ{وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إذا سَجَى} فسجى أي سكن بالخلق هذا وجه للمفردة تجد «سجا»: أي: خيم الهدوء، وفي العامية نقول (سجى فلان عن..) أي غفل.. وهي من التغافل كـ(منقبة).
من هذا التي أجدها في فقيدنا (إبراهيم السجا) أعني اسم عائلته من المعنى الأخير، أو كذا كان -يرحمه الله-، وهذه التي حمدها العرب، حتى نظم أبو تمام عن الغافل قصدًا:
ليس الذكي سيدا في قومه
لكن سيد القوم المتغابي
وهو بإيجاز (من لا يتقصى ما يحدث أمامه) فلا يدقق بمجريات ولو كانت تبعاتها عليه، فكم من عاف عن الناس - مرفوع درجته عند مولاه، حين يظهر إنه إما لم يسمع، كذا نصح الصفدي:
كن كأنك لم تسمع ولم يقل
بخاصة إن (بليت بشخص لا خلاق له)
.. أو تصنّع الغافلة، والمربون شحذوا الهمم وهم يتداولون جملاً على هذا.. محفزة، من مثل/ ثلاثة أرباع التربية في التغافل.
و(التغافل تسعة أعشار العقل)، فهي مرصد للعافية، جاء في حديث يسمو على تلكم (كره لكم قيل وقال).
كذا هو سلم (فقيدنا) يرحمه مولاه، بل لا يعدو نوعية من لو سئل.. لأجاب ببساطة: لست أنا المعني، (رغم أن الأمر برمته تلفاه تلقاءه).
نعم الله يرحمه، فقد كان قليلاً بل نادر (الزعل).
إذ فيه سعة (بااااال) عجيبة وآخذًا الدنيا بوجه من التلقائية، درجة أنه لم يكن يحمل الآخر همًا فإن ضرب له موعدًا.. سيان عنده إن وجده أم لم يجده؟
ربما للعفوية الزائدة التي يبديها أحد دلالة عنه، مما جعلت منه - هذه المزية - متكأ يرك عليها.
فـ(أبو غيداء) عاش على تلك البساطة وما جعلت منها عنوانًا له.
مع قرب نفس بسيطة قلما يأزّها شيء كذا كان سلمه وعلى هذه الخلة رحل، أعني بذات البساطة التي عاشها فـ.. ما كأن لديه من صحبهم ليودعهم.
بل أودع كل شيء على ما تركه، ولم يكلف ذهنه السمح حتى أن يستأذن. رحل كما ترحل نوعية تأخذ من عمرك ما تأخذ قبل أن تلقى لها نظيرًا.
ليس من صفات عجيبة كانت لديه، لكن لذات هي قريبة من تلك النوعية الخفيفة الظل، لا تعرف إن حضرت ولا تفقد إن غابت، لكنها غالية من حيث تقربها، وإلفتها السريعة.
فإن انسحبت من حياتها لا تضيق، أما إن اقتربت منها شبرًا زادتك باعًا فذاكم ينجح من سبيل ناجع، يعاملك بما يرضيك أنت لا كما يتمناه منك، ولا ذاك الضائق ذرعه بتصرفك وما أبدى شيئا من ذلك أو هكذا تحسب البساطة ببساطة، يا أهلها الطيبين (الغانمين) بحق.
لأنكم لولا أنكم لا تتربون (تفوزون) من ذاك إلا راحتكم لكفاكم.. فكم من مقتنع (إن رضيت من الغنيمة بالإياب).
من سجية عنوانها عند أمثالكم يتجلى بـ/
من يأتي حياه الله القلب مفتوح والصدر مشروح.
ومن آثر الرحيل فبالسلامة، لا إلى حيث ألقت رحالها أم قشعم!
لكن إلى حيث ترتاحون، فلا تكلف في الطلب، ولا إلحاح بمن عنها رغب
فلا تفريط بمن يقدم ولا إفراط خلف من يمضي.
رحمك الله (إبراهيم بن عبدالله السجا)
أخ وصديق وأليف.