د. نوف بنت محمد الزير

في هذه الحياة نلتقي شخصيات تحفر في أذهاننا إمضاءها بريح المسك وعبير الشذى، وترسم سيرتها الذاتية مواقف كالذهب لا يصدأ وكدهن العود الذي كلما طال عهده ازداد زكاءً.

ترمّلت في شبابها فسخّرت وقتها ومالها وحياتها كلها لرعاية صغيريها: سارة وسعود. وبعد ما يزيد على ثلاثة عقود من الكفاح والنجاح أسلمتْ الروح لباريها يوم السبت16/7/1440هـ تاركة مسيرة عطرة وعلاقات حميمة وذكرى طيبة وجيلا يقف شامخاً على طريق النجاح.

تلك هي الفاضلة منيرة بنت عثمان الدهش حرم الشيخ عبدالله بن سعود البليهد -رحمه الله - التي أثبتت قدرة المرأة على إدارة كفة المواقف الصعبة بتفوّق وتميّز.. شهد لها من يعرفها ببرِّها والديها وصلة رحمها وحبها للخير والإحسان والمشاركات المجتمعية الرائعة.. تجدها دائمة التألق على قمة المواقف..منحها الله الصبر والمصابرة حتى بعد ما أصابها المرض كانت صابرة محتسبة حامدة شاكرة راضية حتى وافاها الأجل المحتوم.

ومن حضر العزاء يُدرك فضلها ويلمس مكانتها في قلوب أهلها وأقاربها ومحبيها... وكأني بلسان حال المكان ومن فيه يهمس:

الروح فاضت وزهر الأيام زالت

وأمر الولي جارٍ على كل موجود

والدمع حار وكل الأقلام سالت

ترثي منيرة، أمك يا سارة وسعود

لو عاشت منيرة الدهش كان قالت

استودعك يا رب سارة مع سعود!

عروق قلبي وعزوتي يوم عالت

دنياي، واقفى قبلنا أبوك يا سعود

تركتكم يوم أن الأيام جالت

والموت حلّ، والأجل يوم موعود

وتركتكم يوم ان الآمال طالت

والعز يغشاكم والأنعام في زود

كل الدهش وكل البليهد توالت

يوم العزاء حيث أن له وقت محدود

وكل الحبايب والصداقات صالت

جولاتها في بيتكم يا هل الجود

وأنا باعزيكم بنفس تجالت واقفت

وخلّت خلفها الخير مشهود

نفس تربيتوا عليها تعالت

عن كل سفساف كما يشمخ الطّود

ومهما يكن وإن كان الأيام مالت

باوصيك يا سارة وباوصيك يا سعود:

على العهد كونوا على ما تقالت

وعلى العهد أخوان واحباب وسنود

وعلى الوفاء يا كل روحي تعالت

نبضات قلبي والدعاء لحظة سجود

وعيالكم إذا كبرت واستطالت

على مباديكم مواثيق وعهود

وقرايب من وصلكم دوم نالت

على التقى مبدأ والاحسان محمود

ويا رب تكرمنا بخير تعالت

بشايره، ورحمتك يا رب في لحود

وفي عالي الفردوس والأشجار مالت

تظلنا يا «سارة القلب» وسعود

والحمد لك يا من علينا توالت

فضايله لك الثناء دايم يزود

وصلاة ربي عد مزن تهالت

على نبي بالشفاعات موعود

خالص العزاء لابنيها الباريَن: سارة وسعود، ولأهلها وذويها ولكل من ثلمه فقدها {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.