الحقيقة التي لا مفرّ منها أن التقنية الجديدة فرضت علينا الغوص فيها وسَبْر أغوارها بشيء من القراءة المتأنية والمتفحّصة محاولةً لمعرفة أسرارها وكنهها.. وأكاد أجزم أنه مهما حاولنا قراءة هذه التقنية نظل مقصرين في نواحٍ أخرى، لم نستجلِ كنهها؛ ففيها الكثير من الخبايا والأسرار مصداقًا لقول الشاعر:
لا تحسب الناس طبعًا واحدًا فلهم... غرائز لستَ تدريها وأكنانُ
ولعل «الواتساب» من أهم ما يصادفنا في هذه التقنية، ليس لأنه كبقية مواقع التواصل الاجتماعي «بالمجّان» فحسب، بل لأنه بات قناة تواصل حقيقي وخطير.. فحقيقته أنه بات الشغل الشاغل لجميع مستخدميه, بل المنفذ الوحيد للأفراح والأتـراح بين البشر، وتعدى ذلك إلى معرفة ما يدور في العالم من أحداث الدول. ويظلّ هذا الواتساب حربًا إعلامية، ولم يجانبني الصواب بأنه «القوى الناعمة الجديدة» في العالم لتمرير ما تريده كل دولة، وهذا يُعتبر حقًّا مشاعًا بشرط عدم نشر آلاف الفيديوهات والأخبار الملفقة والكاذبة.. وهذا مبحثٌ إعلامي آخر؛ يحتاج وحده مقالات؛ لنشبعه كتابة وتفصيلاً!
نأتي الآن إلى مدى خطورة «الواتساب» تفاعليًّا، ومن داخل قضيتَي القص واللصق أخبارًا صورًا وفيديوهات، ومدى ضرره على النسيج الاجتماعي بين فئات المجتمع عامة.. ونعرّض كذلك على مواقع واتسابية للنخبة ونخبة النخبة من مثقفين وأدباء ومفكرين. ونبدأ في أصحاب المهنة، وأقصد الإعلامي والإعلاميين:
في لمحة سريعة عن مجموعات الإعلاميين ففيها المنصف والمعتدل، ويؤسس لثقافة إعلامية جديدة وجديرة بالاحترام. وهذه تذكر لتشكر. أما البعض - للأسف - فحدّث ولا حرج؛ فنجد في أغلبها ما يأتي:
-كذب وافتراء وغش وتدليس.. نعم، نعم؛ لا تنظرون إليّ هكذا مندهشين! فماذا نسمّي تطبيلاً لمسؤول يخفق في إدارته ببثّ صورة له مع موظفيه الكسالى, وهذه الصورة حقيقة لكنها مشوّهة للواقع. والذي يبعث الاشمئزاز للنفس أن بعض من ينتسبون للعلاقات العامة - ولن أقول الإعلامي - يطلب بكل وقاحة بكتابته «رجاء النشر أيها الأحبة»؟!
نعم المجاملة مطلوبة في حدود ألا نكذب على مراجعي تلك الإدارة بأن كل شيء تمام! والعكس يقول غير ذلك. المجاملة مطلوبة، بل محمودة إذا لم تتعدَّ حدود الواقع، وترشف الخيال. المجاملة مطلوبة دون تلميع من لا يستحق كرسي الرئاسة أصلاً. لا بد أن نقول في وجه كل مسؤول يتقاعس عن أداء مهامه ومراعاة المواطنين واحتياجاتهم (لو تكرمت كرسيك مهشّم..)!
وكذلك لكل إعلامي النفاق في حِبْره, وفلاش التدليس في كاميرته، وكذب الحروف في سطوره.. نقول له ولغيره من المتدلسين «لو تكرمت أيها الزميل، خطّك مهجّن لا ينفع للإعلام..»!
- مجموعات التربويين:
الكثير منها علّمت الكسل والنسخ واللصق بشيء تافه، وآخر مُمل، والأغلب «أماكن الأمطار والأكلات الشعبية» في بعض المناطق بشكل مبالغ فيه لدرجة التقزز. عندما ذكرت الكسل كنتُ أعنيه. وقصدت البعض من المشرفين التربويين بدل طباعة تعميم وإرساله للمدارس لا أن يتفنن في إرساله في مجموعات خاصة بمعلمي ورواد مكاتب التعليم قبل الفعالية بيوم!
والحقيقة التي لا بد أن تُقال هنا أن هناك مجموعات تربوية تعليمية فرضت احترامها، ولا ترسل إلا كل مفيد وصالح، طبعًا بعيدًا عن سياسة القص واللصق.
- مجموعات القبائل وغيرهم:
حدّث عن ذلك بلا حياء. قسمًا بالله شيء مخجل! إما أن يبقى الجميع مشغولين بإرضاء فلان؛ لأنه أخطأ في حق فلان, أو ترك أحد المتقزمين من القبيلة المحسوب على أنه ذو شأن، وهو فارغ من الداخل بلا ثقافة ولا هوية، ومن الخارج منظر حسن وقلبه يتلظّى شرًّا وحسدًا وحقدًا والعياذ بالله.. هذا القزم الهرم فكرًا، وهو يتقد شبابًا ونضجًا جسدًا، يتطاول على أحد المنتمين إلى هذه «القروبات» بشكل ظالم وقاسٍ، ومدير المجموعة والكل يشاهد قذارة الكلمات، وهم لا يحركون ساكنًا، بل تشعر بأنهم يسرّون حديثًا في أنفسهم بقولهم «زده.. ضربًا بالكلمات الله لا يرحمه».
تبقى مجموعات «الرياضيين, والنخبة المثقفة والمدارس..»، وهذه تحتاج إلى مقال مستقل بذلك بإذن الله.
** **
- علي الزهراني (السعلي)