حمد بن عبدالله القاضي
هذا الكتاب جاء في وقته، فما أحوج المسلمين إلى التزام منهج الوسطية وما أحوج الشباب إلى نهج الاعتدال وما أحوج العالم إلى إدراك سماحة الإسلام ووسطيته ونشره لقيم الخير.
طوفت بين صفحاته وقرأت فصوله ووجدته كتاباً علمياً متناولاً إحدى أهم قضايا هذا العصر التي يشكل غيابها أحد أهم أسباب «التطرف» سواء في بلادنا أو بلاد المسلمين وسواء كان التطرف يمينا أو شمالا.
وكان نتاج التطرف: الاحتراب والإرهاب ومن ثَمّ الإساءة لهذا الدين وهذا الوطن، وما أجمل وأصدق من ربط المؤلف بالمقدمة بين الاسلام والوسطية «سمة الوسطية والاعتدال تجلّي صور سماحة الإسلام وتبرز محاسن هذا الدين».
* * *
وشدَّني أن كل مباحث الكتاب مستندة ومعضّدة بالنصوص القرآنية و»الأحاديثية» وآراء وأقوال العلماء، ثم من ضفة أخرى أن الذي حبَّره أحد علمائنا الذين عُرِفوا بالاعتدال قولا وعملاً وخطاباً ودعوةً وسلوكاً.
وقد أحسن المؤلف بإبراز جهود قادتنا وعلمائنا بترسيخ نهج «الوسطية»خدمة لديننا وبلورة لسماحة الإسلام ومعايشته للبشر وتعامله معهم بالعدل والاعتدال، بل والإحسان مع الآخرين الذين لم يقاتلونا أو يخرجونا من ديارنا.
* * *
لن أتوقف عند كل مباحث الكتاب الذي أفدت منها كثيراً بوصفي معنياً بهذا الأمر بحكم إسهاماتي المتواضعة عبر الكلمة المقروءة والمسموعة والمرئية، فضلاً عن عنايتي البحثية بذلك، حيث سبق وأصدرت كتابي: «رؤية حول تصحيح صورة إسلامنا وبلادنا» الذي قدَّم له سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله.
* * *
لقد جاء كتاب الشيخ عبدالرحمن بوقته، حيث يواجه إسلامنا السمح التشويه وتواجه بلادنا وهي حصن الإسلام حملات محمومة تسعى للإساءة إليها وإلى دينها وقيادتها وإلى أبنائها.
* * *
وأختم عرضي الموجز لهذا الكتاب بأهم فصوله، حيث توصل المؤلف إلى»توصيات مهمة» تهدف إذا تم الأخذ بها إلى تكريس الوسطية ونشر الاعتدال وإبراز الصورة الجليلة لديننا، دين السلام والتعايش مع الآخر، بل والإحسان إليه.
وهذه هي التوصيات التي ختم بها المؤلف كتابه النفيس:
1- ضرورة توعية أفراد المجتمع بأهمية الوسطية والاعتدال، وحث المجتمع على التمسك بها وتطبيقها في جميع مناحي الحياة الدينية والدنيوية.
2- توحيد الجهود لنشر منهج الوسطية في الشؤون المختلفة من عبادات ومعاملات.
3- استنهاض همم العلماء الربانيين والدعاة المخلصين للقيام بدورهم الراشد في تحصين الأمة من الأفكار المنحرفة والمتعصبة التي تعمل على تقويض الوسطية والاعتدال.
4- أهمية قيام الأسرة بدورها الرائد في التربية، والحفاظ على النشء من التيارات الفكرية المنحرفة.
5- تشكيل مجالس تنسيقية بين القطاعات الحكومية والأهلية، تهدف إلى التعاون الأمثل لتوعية الشباب وجميع شرائح المجتمع بأهمية الاعتدال والوسطية ومحاربة الفكر الضال.
6- عقد مؤتمرات وندوات دورية لتوعية المجتمع بأهمية الوسطية.
7- إنشاء قناة فضائية مختصة بنشر منهج الوسطية والاعتدال.
8- إنشاء مركز عالمي لرعاية الوسطية، والعمل على تحقيقها وتعزيزها.
9- العمل على طباعة ونشر الكتب التي تحارب التعصب والغلو وتدعو إلى الوسطية، إسهاماً في بث الوعي الفكري في الأمة.
10- إضافة مادة دراسية تعنى بالوسطية في المقررات الدراسية في المدارس والجامعات.
11- تجلية الشبهات حول الغلو والتطرف، وبيان خطرهما على الفرد والأمة.
12- العمل على علاج ظواهر الانحراف الفكري التي تؤدي إلى انحراف السلوك والأفعال.
13- العمل على تجفيف منابع الأفكار الضالة، واجتثاث الوسائل المغذية لها والتصدي لجميع أنواع الغزو الفكري.
14- العمل على إحياء رسالة المسجد، والعناية بحسن اختيار الأئمة والخطباء وإقامة الدورات المكثفة لرفع مستواهم الفكري والعلمي.
15- التركيز على ربط الأجيال بالمبادئ الإسلامية والعقيدة الصحيحة والمنهج الوسطي المعتدل، فلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء.
* * *
وبعد:
أتطلع أن تتم ترجمة هذا الكتاب الذي حبَّره عالم وباحث قدير، فضلاً عن أن مؤلفه إمام وخطيب بيت الله الحرام بمكة المكرمة، مما سيكون له تأثير كبير على من يطلعون عليه من غير المسلمين