ياسر صالح البهيجان
لا تزال قوة الولايات المتحدة العظمى على المحك في ظل تزايد حجم التجاوزات الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط وبقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مكتوف الأيدي حيال الانتهاكات الجسيمة لنظام الولي الفقيه في طهران. إذ لا معنى لتصريحات ضبط النفس في وقت تُسقَط فيه طائرة أمريكية كانت تحلق فوق الأجواء الدولية -بحسب إعلان البيت الأبيض-. لا يمكن فهم ما يعنيه ضبط النفس ذاك مع تصريح الإيرانيين العلني باتجاههم إلى تسريع تخصيب اليورانيوم بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي دون أن يضع خطة محددة وصارمة لمنع طهران من امتلاك أسلحة نووية. ما يقوله ترامب لا يزال في نطاق تغريدات عبر شبكة «تويتر» ولا يرتقي حقيقة إلى فعل له أثر لكبح جماح الميليشيات التي تسلحها إيران لتهديد أمن المنطقة، أو تلك التي تحرضها لقطع إمدادات الطاقة المارّة عبر المضائق الدولية.
الوقائع تؤكد بأن دبلوماسية البيت الأبيض منذ تولي ترامب سدّة الحكم لم تحقق أي نتائج إيجابية وفاعلة على الأرض. المباحثات مع كوريا الشمالية لم تثنِ الأخيرة عن الاستمرار في إنتاج أسلحتها النووية. والضغط على الحكومة الفنزويلية لم تؤدِ إلى إسقاط الحكم بل فاقمت من أزمة الشعب. والتفاوض مع الصين جر البلدين إلى بوادر حرب اقتصادية تهدد الاقتصاد العالمي. الآن يريد ترامب الجلوس مع الإيرانيين على طاولة المفاوضات، ومؤسف أن جلساته مع الحكومات الأخرى تنبئ بأنه سيخرج خالي الوفاض، ولن يتوصل إلى حلول ترتقي لحجم التحديات والخطر الإيراني.
الحرب على إيران قد لا تكون الخيار الأفضل في هذا التوقيت، ولكنه خيار عليه أن يظل مطروحًا فوق الطاولة إن أراد الملالي المضي قدمًا في العبث بأمن المنطقة وسلامة الشعوب، وعليه أن يكون خيارًا واردًا وبقوة إن أرادت واشنطن المحافظة على حلفائها في الشرق الأوسط، والإبقاء على مكانتها كقوة عظمى من شأنها حفظ السلم والأمن الدوليين.
المماطلة والمراوغة سمتان رئيسيتان ينتهجهما النظام الإيراني. ونسف اتفاقية أوباما المشؤومة كان خطوة إيجابية تحسب لإدارة الرئيس ترامب، ولكن ما يُنتظر في قابل الأيام أكثر أهمية من إبطال الاتفاق النووي. نظام طهران محشور في الزاوية حاليًا، وسيمارس سلوك القطط في إحداث خدوش في المنطقة بحثًا عن نفق للخلاص، وإن لم يكن لدى إدارة ترامب سياسة لتقليم مخالب ذلك القط فقد ينتج عنه آثار جسيمة تضر بالمصالح الأمريكية قبل غيرها، كما قد يسهم في تراجع ثقة الحلفاء بواشنطن وقدرتها على الإمساك بزمام الأمور في الشرق الأوسط، وهذه الحالة حتمًا ستشكل فرصة سانحة لتواجد أكبر للدب الروسي في المنطقة، واكتساب حلفاء جدد من شأنهم تغيير موازين القوى حول العالم.