عبدالله بن صالح محمد العوفي
لا يخفى على المهتمين بشأن تربية وتعليم الطلاب والطالبات ذوي الإعاقة بوجه عام والطلاب والطالبات الصم بوجه خاص أهمية الرفع من مستوى المخرجات التعليمية خاصة مع عدم وصولنا للمستوى المطلوب.
حيث تعتبر المملكة من الدول السباقة في الوطن العربي والشرق الأوسط في إتاحة الفرصة للصم وضعاف السمع للالتحاق بركب التعليم منذ عام 1384 هـ من خلال تأسيس معهدين للصم من الجنسين في مدينة الرياض (معهد الأمل للصم).
حيث مكنت هذه المعاهد العديد من الطلاب الصم من داخل المملكة، وكذلك من خارجها كدول الخليج من الالتحاق بالتعليم النظامي كأقرانهم.
كما استقطبت وزارة التعليم (وزارة المعارف سابقاً) العديد من المعلمين من بعض الدول العربية وذلك لعدم توفر أقسام للتربية الخاصة لتأهيل معلمين للعمل مع ذوي الإعاقة في الجامعات السعودية في ذلك الوقت.
كما سعت الوزارة بتحفيزالمعلمين للتخصص في هذا الجانب المهم من خلال بعض الحوافز لسد الحاجة الماسة لمعلمين وكذلك لصعوبة المجال من جانب أخرى. مازالت تلك الجهود المبذولة من وزارة التعليم تماشيا مع التوجيهات الكريمة من قِبل خادم الحرمين الشريفين وولي عهد الأمين في الرقي بالخدمات المقدمة للمواطنين.
ومع قدم التجربة في هذا الجانب التعليمي المهم الا أن معظم نتاج هذه المعاهد والبرامج مازال دون المستوى المأمول حيث إن مستوى العديد من الطلاب الصم والطالبات الخريجين من المرحلة الثانوية ضعيف جداً وخاصة في اللغة العربية قراءةً وكتابة.
حيث أشارت العديد من الدراسات أن مستوى خريج الثانوية من الطلاب الصم في القراءة والكتابة يعادل طالبا في الصف الرابع الابتدائي أو دون ذلك ) الصمدي، 2013 (هذا الضعف في المخرجات مازال يقلق العديد من المسؤولين في وزارة التعليم، فهناك العديد من الجهود حاليا للرقي بمستوى التعليم في معاهد وبرامج التعليم الخاص.
كما تشير العديد من الأبحاث إلى أن سبب الضعف ناتج عن عدم وصول المعلومة بالشكل الصحيح والكامل وذلك لكون معظم معلمي ومعلمات الطلاب والطالبات الصم لديهم تدن في مهارات التواصل بلغة الإشارة لنقص التدريب وكذلك لعدم تركيز الجامعات على تقديم لغة الإشارة بشكل صحيح كاللغات الأخرى.
فما تزال العملية التعليمية بحاجة أن تكون مبنية على دراسات وأبحاث علمية صحيحة كما يتم في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والعديد من الدول المتقدمة في مجال تعليم الطلاب الصم وضعاف السمع.
فمازال الجدل والنقاش التربوي في الميدان التربوي على ما هي الطريقة الصحيحة في تعليم الطلاب الذين يعتمدون على لغة الإشارة في التواصل وكيفية إكسابهم اللغة العربية بشكل متقارب مع أقرانهم من الطلاب السامعين. فعدم توفر معلمين من نفس الفئة ممن تعتبر لغة الإشارة لغتهم الأم، وكذلك عدم تقديم لغة الإشارة بشكل علمي مدروس وقلة الدورات التخصصية والمركزة للرقي بمعلمي الطلاب الصم جعل التحدي أكبر أمام المعلمين والمعلمات ممن جعلوا على عاتقهم تعليم هذه الفئة الغالية. هذا بشكلٍ عام ولكن يوجد القليل من المعلمين والمعلمات ممن أتقنوا هذه اللغة بمجهود شخصي أومن خلال مخالطة أقارب لهم من نفس الفئة فكانوا ومازالوا يلعبون دوراً كبيراً في العملية التربوية والتعليمية بل يصل جهدهم إلى خارج أسوار المعاهد والبرامج حتى أصبحوا علامة بارزة في كل منطقة.
فعندما نطرح النقاش لتشخيص المشكلة فيرى بعض المسئولين في وزارات التربية والتعليم في الوطن العربي أن هذا الضعف في إتقان هذه اللغة لدى المعلمين المتخصصين ناتج عن ضعف في مخرجات مؤسسات التعليم العالي – الجامعات والكليات- التي تعتبر هي الجهات المناط لها تأهيل وتدريب المعلمين والمعلمات لتعليم هذه الفئات.
وأن كليات التربية لم تركز على أهمية تأهيل المعلمين بلغة الإشارة بشكل كامل قبل تخرجهم وحصولها على درجة البكالوريوس بالتربية الخاصة مسار الإعاقة السمعية.
حيث إن مقرر طرق التواصل اليدوي والكلي كما يسمى في بعض الجامعات لا يفي بالغرض المنشود. ولكن في المقابل يرى القائمون على كليات التربية وخاصة أقسام التربية الخاصة بأن الدور الذي يجب أن يقدم للطلاب في المرحلة الجامعية هو التركيز على الأسس والقواعد لهذه اللغة وبعض المصطلحات الرئيسية والمهمة وذلك بحكم أن الخطة الدراسية للمسار تتكون من العديد من المقررات المهمة للطالب أسوة بمقرر لغة الإشارة، وأن تطور مهارات المعلمين بلغة الإشارة يكون في الميدان بمخالطة الطلاب الصم.
وكذلك من خلال طرح دورات تدريبية في هذا المجال كما تقوم به وزارة التعليم مشكورة في كل عام دراسي وخلال الإجازة الصيفية وكذلك مؤخرا في فترة عودة العاملين في الميدان التربوي للعمل بعد الإجازة الصيفية.
فالاختلاف في وجهات النظر يعتبر شكلا شيئا إيجابيا في الوصول للحل المناسب ولعل بعد ضم التعليم العالي والعام تحت مظلة واحدة يكون له الأثر الكبير في حل مشكلة من أهم مشاكل الميدان التربوي في تعليم ذوي الإعاقة.
فما يحتاجه الميدان للارتقاء بالعملية التربوية والتعليمية من جميع الجوانب هو العمل الذي هو ثمرة الإيمان ودليله، وأمَّا النقاش من أجل النقاش بعينة لا فائدة منه.
فيجب علينا الإعراض عن الإغراق في التنظير الذي لا جدوى من ورائه، وهو سبب في تأخرنا فقد نتجادل طويلاً في مسألة، وبعد الجدل الطويل -مثلما يقول علماء الأصول- يأتي السؤال ما هي ثمرة الخلاف؟ والنتيجة بعد ما اختلفنا أو اتفقنا، وماذا يترتب على هذا؟ ما هي الثمرة؟ فإما ألا تكون هناك ثمرة، أو نذهب نبحث عن جزئية يسيرة ونقول: هذه ثمرة من ثمرات الخلاف. فهذا شأن الفلاسفة من قبل طالما تجادلوا وبيزنطة تسقط في أيدي الأعداء، فعندما نعود للنقاش والجدل الأزلي السابق حول البيضة والدجاجة حيث كان سببا في هزيمة إحدى أكبر الدول والممالك في التاريخ القديم... مملكة بيزنطة. ففي عام 340 قبل الميلاد كانت الحرب على أشدها بين مملكتي بيزنطة ومقدونيا وفشل كل طرف في القضاء على الطرف الآخر ولكن... فجأة انشغل أهل بيزنطة بسؤال لم يترك لهم فرصة التفكير في أي شيء آخر، وهو أيهما خلق أولاً البيضة أم الدجاجة؟ واستغرقهم التفكير واستبد بهم النقاش والجدل وتبارى العلماء في محاولة للإجابة عن السؤال وانشغل الحكام في الحوار وكل يتمسك برأيه، فبعضهم يميل لترجيح إن البيضة هي الأصل ويسوق الأدلة والبراهين وبعضهم الآخر يرجح طرف الدجاجة ويسوق هو الآخر الحجج والبراهين التي يرى أنها تدعم إجابته.
وتنبه الملك (فيليب) الثاني ملك مقدونيا إلى أن أعداءه قد انطووا على أنفسهم ولم يعد يرى استعداداتهم واحتياطاتهم التي كان يخشاها وفي البداية ظهر أن في الأمر خدعة.
واستبد به الخوف ولكن جواسيسه الذين أرسلهم أكدوا له انه ليس في الأمر خدعة وأعلموه بحقيقة الأمر.
فأرجو من المهتمين بهذا الجانب في بلادنا الحبيبة العمل بشكل جاد لحل هذه المشكلة والرفع من مستوى المعلم والمعلمة بلغة الإشارة من خلال عقد العديد من الدورات التدريبية طويلة وقصيرة المدى للمعلمين والمعلمات وتقديمها بشكل علمي صحيح كما يتم في العديد من الدورات التدريبية التي تعقد لتعليم أي لغة ثانية بعد اللغة الأم، وذلك ليستفيد الملتحق بها فيجد أنه في نهاية الدورة قد قطع مشوارا في إتقان اللغة، وليست الدورات مقتصرة على المعلمين إنما يجب إلحاق الوكلاء والمديرين وكذلك المشرفين التربويين والأخصائيين وكل من له علاقة من قريب أو بعيد بتربية وتعليم الطلاب الصم.
كما يفضل على الجامعات التي تمنح درجة علمية في تخصص التربية الخاصة مسار الإعاقة السمعية فرز الطلاب الراغبين بالالتحاق بالمسار في المقابلة الشخصية من مدى مناسبتهم لتعلم لغة الإشارة من خلال وضوح تعابير الوجه والمرونة في اليدين وتناسق الجسم والعديد من الشروط الواجب توفرها في معلم الطلاب الصم وهم على دراية تامة بها، ففي حالة عدم مناسبته يتم توجيهه لمسار آخر من مسارات التربية الخاصة التي لا تتطلب إتقانا للغة جديدة عليه، كما يفضل التركيز على مقرر التواصل الكلي وزيادة عدد ساعاته فهي مادة عملية وليست نظرية وأن يقدم المقرر من هو متخصص بتدريس اللغات المؤشرة.
فنحن في أمس الحاجة للعمل الجاد للرقي بمستوى المعلم حتى نصل للهدف المنشود وهو تربية وتعليم الطالب الأصم بالشكل الصحيح، ويبقى هنا الدور المهم على عاتق المعلم نفسه فيجب عليه أن يندمج في مجتمع الصم من خلال المشاركة في أنديتهم أو مراكزهم أوجمعياتهم. فعندما يتعاون الجميع سوف يصبح الهدف بإذن الله وتوفيقه أفضل وأسرع وأجود وسوف نرتقي بإذن الله بواقع مجتمع الصم ببلادنا الحبيبة.
** **
- باحث وأكاديمي في تربية وتعليم الصم
Alofi3050@hotmail.com