محمد سليمان العنقري
الضغوط التي يعانيها الاقتصاد العالمي أصبحت مؤرقة وتنذر بنتائج ذات أبعاد خطرة، قد تكون تكلفة معالجة آثارها باهظة جداً؛ ومع انعقاد قمة العشرين في أوساكا اليابانية فإن الأنظار ستكون مركزة على مخرجات القمة وما يمكن للدولة المضيفة اليابان أن تقوم به لقيادة أعمال المجموعة خلال هذا العام لتقريب وجهات النظر بين دول المجموعة التي تمثل اقتصادياتها أكثر من 80 % من الاقتصاد العالمي، خصوصاً أن اليابان تعد ثالث اقتصاد عالمي من حيث الناتج الإجمالي وتمتلك علاقات مؤثرة مع كافة دول المجموعة.
فالتحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي كبيرة والقمة في عين العاصفة مع هذه التحديات، فأولها وأهمها هي الحرب التجارية بين أميركا والصين أكبر اقتصادين عالمين بحجم يفوق الـ 32 تريليون دولار، وأكبر دولتين في التجارة الدولية بأكثر من 18 %، فهذه الحمائية وحرب الرسوم لن تقف حدود آثارها عند الدولتين المعنيتين فقط بل ستصل آثار حربهما التجارية السلبية لكل دول العالم من حيث خفض الطلب على السلع الخام والوسيطة مما يعني الانزلاق لركود بالاقتصاد العالمي، كما أن من بين التحديات المستجدة الخطر على أمن إمدادات الطاقة بعد الهجوم على ناقلات نفط في الخليج العربي والتي تشير المعلومات الأولية أن المتهم الأول بتنفيذها إيران، وقد قام رئيس وزراء اليابان بزيارة لطهران في مسعى لتخفيف حدة التوتر بين أميركا وإيران وفتح الباب لمفاوضات تحل أزمة الملف النووي الإيراني وتهديدها لدول المنطقة ببرامج صواريخها البالستية وكذلك تدخلاتها بشؤون تلك الدول، إلا أن المحاولة الأولى لم تظهر أي تقدم إيجابي بل تزامن مع زيارته هجوم على ناقلة نفط تعود ملكيتها لشركة يابانية مما أعطى رسالة سلبية لإمكانية المضي قدماً من قبل اليابان كوسيط لحل هذا النزاع، لكن الأهم هل تخرج القمة بقرار قابل للتنفيذ لتحقيق أمن إمدادات الطاقة من منطقة الخليج العربي فهو شأن ومسؤولية دولية ولا بد من معالجته بحزم فحوالي 20 % من إمدادات النفط تخرج من مضيق هرمز؛ ولولا تعهد المملكة العربية السعودية بتعويض أي نقص بإمدادات الطاقة وقدرتها على ذلك وذلك للمساهمة بحماية ودعم الاقتصاد العالمي كدور ثابت تقوم به دائماً لقفزت أسعار النفط خلال هذه الفترة لأرقام عالية جداً قد يصعب على الاقتصاد العالمي ذو النمو الهش تحملها فهل ستتعزز القناعة من دول المجموعة بضرورة اتخاذ قرار بتشكيل تحالف دولي لحماية إمدادات الطاقة بالممرات والمياه الدولية ؟.
ومن بين الإشكاليات المعقدة التي يواجهها العالم القدرة على إعادة الزخم لنمو الاقتصاد المتباطئ وتحقيق استدامة التنمية ومعالجة ملفات عديدة في الصحة والتعليم وقضايا المناخ الذي يشهد ملفه خلافاً دولياً كبيراً خصوصاً بعد انسحاب أميركا من اتفاقية باريس للمناخ، أما ملف توليد فرص العمل فقد أصبح معضلة عالمية لعدة أسباب منها ضعف نمو الاقتصاد العالمي، وكذلك التطور التقني الهائل الذي غير بوصلة أسلوب إدارة الاعمال وتشغيل المنشآت وبدأ بإلغاء الكثير من الوظائف مما يعني ضرورة تنسيق الجهود لتغيير جذري بالتعليم والتأهيل للتحول نحو الوظائف والمهن والتخصصات المطلوبة؛ إذ تشير الدراسات العالمية الغير رسمية أن حوالي ملياري وظيفة ستتبخر من سوق العمل الدولية في غضون 12 عاماً قادمة وسيستعاظ عنها بالذكاء الاصطناعي وما سينتج عنه من تغير مفهوم إدارة الأعمال بالعالم، ومن بين المستجدات التي بدأت تطفو على السطح وتمثل خطراً كبيراً على الاقتصاد العالمي حرب العملات والتي لابد من وأدها مبكراً فهي قد تكون أكثر خطورة على الاقتصاد العالمي من حرب الرسوم التجارية.
إن استعراض هذه التحديات يظهر حجم المسؤولية الكبيرة التي تواجه دول المجموعة واليابان على وجه الخصوص كرئيس للدورة الحالية فالعالم يمر بمرحلة مفصلية فإما أن يتعمق بطء نمو الاقتصاد العالمي ليتحول لركود أو تتوصل دول المجموعة لجملة تفاهمات يبدأ تنفيذها فوراً لمعالجة هذه القضايا الشائكة خصوصاً أن اليابان كرئيس للقمة تمتلك الثقل والوزن الدولي لتلعب دوراً مهماً في حل هذه الخلافات بحكم أنها تستحوذ على 6 % من الناتج الإجمالي العالمي وهي رابع دولة من حيث الصادرات بما يفوق 710 مليارات دولار أمريكي وتستورد بقرابة 650 مليار دولار أمريكي ولديها استثمارات ضخمة عالمياً ويمكنها أن تستثمر هذه القوة المؤثرة في حلحلة هذه القضايا الضخمة التي لن يسلم من سلبياتها وتداعياتها الخطرة أي دولة بالعالم لو استفحلت، فهل تكون قمة اليابان نقطة التحول الإيجابية لضبط إيقاع الاقتصاد العالمي وعودته للنمو المتوازن المطلوب ؟.