من أشهر كتب الرحلات على الإطلاق كتاب أنيس منصور حول العالم في 200 يوم، وقد صدر منها العديد من الطبعات حتى بعد وفاته.. فما زال لهذا الكتاب الكثير من المعجبين في أنحاء عالمنا العربي.. وقد صدر لأول مرة عن دار نهضة مصر عندما كان أنيس منصور يعمل صحفياً ويتنقل بين البلدان المختلفة.. ويومها قال: لقد كان العالم كتاباً كبيراً مريضاً طويلاً غنياً بألفاظه ومعانيه، كنت أقرأ بعقلي وقلبي وأقلب الصفحات بيدي وأضع حقيبتي الوحيدة في مهب العواصف والطائرات، كنت أكتب ليلاً ونهاراً وعندما أجد من الوقت متسعاً أكتب مذكراتي.
رحلات أنيس منصور عبر مشارق الأرض ومغاربها مدهشة وفيها الكثير من المعرفة والمعلومات والطرائف.
الطبعة التاسعة من الكتاب تضمنت جولة في الهند.. وسيلان.. والمالديف.. وسنغافورة.. وإندونيسيا.. وأستراليا.. والفلبين.. وهونج كونج.. واليابان.. وجزر هاواي.. وأمريكا..
في سيلان توقف أنيس منصور عند زراعة الشاي وقال: العملية التي يتم بها تحويل ورقة الشاي الخضراء إلى الورقة السوداء التي تراها تستغرق في المصنع حوالي 22 ساعة.
وأول إنسان شرب الشاي هو الإمبراطور شن توانج الذي كان من عادته أن يغلي الماء قبل شربه، وقد حدث وهو يشهد عملية غليان الماء أن سقطت ورقة جافة من إحدى الأشجار ولاحظ أن هذه الورقة غيّرت لون الماء فوضع أوراقاً أخرى وأعجبه اللون والطعم، وكان الإمبراطور أول شريب للشاي في العالم.
وقال عن سنغافورة: بلد على هيئة جزيرة.. ومن أية ناحية أنظر من الفندق أرى الماء.. ومن بعيد أرى جزراً صغيرة.. أما في الميناء فهناك مئات السفن.. ومن هذه السفن تدخل خزانة المدينة مائة مليون جنيه سنوياً..
وسكان الجزيرة من أبناء الصين وهم في غاية النشاط والنظافة والبساطة.
ومن الأشياء الغريبة من الممكن تذوق الطعام من عربات الأكل فإذا لم يعجبك لا تدفع شيئاً.. وكذلك من الممكن أن تطلب من بائع الصحف نسخة من أية جريدة وتظل تقرأ فيها عشر دقائق ثم تردها إليه لأنها لم تعجبك.
وفي أستراليا كان أنيس منصور يكتب في المكتبة العامة والناس ينظرون إليه، وقال: تعودت أن أذهب إليها كل يوم، وهناك أضع أوراقي والصحف الصباحية وبعض الكتب وزجاجة الحبر وبعض الساندويتشات ولاحظت أن الطلبة يتفرجون على طريقتي في الكتابة، وكنت لا أتضايق إذا نظر إلي أحد وأنا أكتب، لكني في أستراليا شعرت بالضيق، وشعرت بأن نظراتهم تجعل الورق الذي أكتب عليه خشن كالحائط يتعثر فيه الكلام.
وعن غابات آسيا قال: رأيت الغابات في ألمانيا وسويسرا والنمسا وفرنسا وإيطاليا واليونان والسويد.. ولكن غابات آسيا أغنى وأوسع، ففي كل مكان أجلس فيه أرى أمامي غابة.. بل إنني رأيت حيوانات الغابة تنطلق بالألوف.
وعن حب الناس في أمريكا لكثرة التغيير أشار إلى أنهم يشعرون بأن الحياة مملة، ولذلك يحرصون على التغيير ويكرهون الشيء الواحد المتكرر في حياتهم وفي حياة غيرهم من الناس..
وقال: أنا أتردد على أحد المطاعم وأطلب كل يوم فنجاناً من الشاي وبعض الخبز الجاف وأنا راض بهذا.. ولكن الجرسونة تتضايق جداً من أنني لا أطلب إلا شيئاً واحداً.
وكل أصحاب المحلات يحرصون على التميز في الديكور، وأن يكون مختلفاً، والأمريكي لا يجب العزلة، يحب أن يكون مع الناس في المطعم والشارع وفي النادي.. ويحرص أن يكون كل شيء ممتعاً؛ المشي متعة، وركوب السيارة متعة، والجلوس في البيت متعة، والأكل مع الأصدقاء متعة.. ويحبون تغيير السيارات فسوق تبيع المستعملة له رواج والشركات تبيع بالتقسيط.. وهناك رأي يقول إن الأمريكي بطبعه يحب التغيير، فالأمريكان مدينون لهذا التغيير بكل حياتهم.. فقد كانوا في أوروبا وجاءوا إلى أمريكا وحولوا الغابات إلى مزارع وإلى مصانع وإلى ناطحات سحاب.
والرجل الأمريكي يجب الظهور.. وهذا الظهور يؤثر على المستهلك فيقنعه بأنه غني وأنه ناجح وأن بضاعته هي أحسن بضاعة.