محمد آل الشيخ
في تغريدة على موقع تويتر قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الولايات المتحدة لا تستورد احتياجات سوقها النفطي من الخليج لأن لديها اكتفاء ذاتيًا، وبالتالي فليس من مسؤولية الولايات المتحدة حماية أمن الخليج من الغول الإيراني.
وهذا غير صحيح على الإطلاق، فسوق النفط العالمية سوق مترابطة، بما فيها سوق النفط الأمريكي، مثلها مثل بقية اسواق السلع الاسترتيجية الأخرى؛ بمعنى أن أسعارها، حتى في أمريكا نفسها، ترضخ لقانون العرض والطلب حسب الكميات المتوافرة في الأسواق العالمية. نفط منطقة الخليج العربي كما هو معروف يُمثل ما يزيد عن ثلث إنتاج النفط في العالم، وإذا تعرضت إمدادات هذا السوق لأي نقص فإن هذا النقص سيزيد بشكل جنوني من أسعار النفط العالمية، بما في ذلك سعره في أمريكا، مما ينعكس ذلك انعكاسًا مباشرًا على أوضاع المواطن الأمريكي، التي تهم الرئيس ترامب، وسوف تزيد من أعباء المعيشة هناك في نهاية المطاف. وهذا ما يبرر القول إن استمرار تدفق النفط من منطقة الخليج يرتبط بمصالح المواطن الأمريكي الحيوية ارتباطًا وثيقًا.
ولا أعتقد أن هذه المعادلة تغيب عن وعي الرئيس ترامب، ولكن السياسي، أي سياسي، يجد في أحايين كثيرة أنه مضطر لتبرير مواقفه حتى وإن اضطر للمغالطة، خاصة إذا ما اتخذ قرارًا يُناقض تهديداته، أو أن أحد قراراته تعرض لنقد قوي من خصومه، إلا أن ذلك في نهاية المطاف لا يغير من الحقيقة شيئًا. الرئيس الأمريكي يتفادى الحرب لأن نتائجها قد تؤثر على موقفه المتفوق في الانتخابات الأمريكية القادمة، ويسعى إلى الضغط على جمهورية الملالي للرضوخ إلى الحوار، لكنه وفي الوقت ذاته لا يريد أن تفهم إيران أنه لن يتخذ قرار الحرب إذا ما اضطر إليه. ولا أعتقد أن أحدًا يريد الحرب، بسبب أن تداعياتها لا يمكن لأحد أن يضمنها، ليس فقط على دول المنطقة، وإنما على العالم أجمع، وهذا ما يكاد يتفق عليه المحللون.
الرئيس ترامب كان من المفروض أن يحسب حساب موقف الغول الإيراني المتهور قبل أن يتخذ قرار الانسحاب من الاتفاقية النووية مع إيران، فإيران وقّعت مع الدول الست اتفاقية لم تكن تحلم بها، وهي بكل المقاييس كانت بمنزلة (هدية) ثمينة، وتكاد تكون مجانية من الرئيس أوباما للإيرانيين، لأسباب ما زلت حتى الساعة أجهلها. ولن يفرط الإيرانيون بهذه الاتفاقية إلا مرغمين، الأمر الذي يجعلنا نفهم لماذا يبذل الإيرانيون قصارى جهودهم للتشبث بهذه الاتفاقية. وإذا وجدوا أن بإمكانهم مقاومة العقوبات، فلن يدخرون وسعًا لذلك فهم الآن وعن وعي يلعبون على حافة الهاوية، لكنهم إذا ما أيقنوا أن لا مناص من الجلوس على طاولة الحوار مع الأمريكيين، سيخضعون رغم أنوفهم.
وكما قلت في مقال سابق، علينا أن نتحمل استفزازات الإيرانيين قدر الاستطاعة، لأن العقوبات تنخر في استقرارهم، وتؤدي إلى خنقهم، ولا أرجح أنهم سيذهبون إلى الخيار الشمشوني، لأن هذا الخيار هو في نهاية الأمر تدمير لهم ونهاية حتمية لدولة الولي الفقيه فلن يقوم لها قائمة إلى أبد الآبدين، ولا أعتقد أنهم يجهلون ذلك.
إلى اللقاء