يوسف المحيميد
قبل سنوات كنت في ضيافة الفنان المصري الكبير عادل السيوي، في مرسمه في وسط البلد بالقاهرة، وأثناء تجاذبنا أطراف الحديث الفن التشكيلي العربي، وحول تجربته الطويلة، سألته عن أعلى رقم وصلت إليه لوحاته، فذكر لي ما يقارب مائة ألف دولار، وأردف بأنها لا تعبر عن حقيقة تقييم لوحاته في السوق، لأنها بيعت في مزاد خيري لإنشاء مركز طبي للقلب في مصر، وأكبرت فيه وضوحه وصدقه مع نفسه أولاً، فهو لم يدَّعِ بأن هذه أسعار لوحاته، بل كان واضحًا وصادقًا.
تذكرت هذا الموقف، حين تابعت ما قامت به وزارة الثقافة، الأربعاء الماضي، من تنظيم مزاد خيري للوحات تشكيلية في جدة التاريخية، دعت له أكثر من تسعين ضيفًا ومهتمًا، وأدارته كريستيز للمزادات، وشارك فيه عدد من الفنانين المعروفين وأصحاب الجاليريات، بحيث سيستخدم ريع هذا المزاد في إنشاء مقر خاص لمتحف فنون تشكيلية معاصرة، وهذا النوع من المزادات الخيرية معروف في العالم، وهذه المبادرة التي قامت بها الوزارة تعد خطوة مهمة في هذا المجال، وقد يكون تكرارها في الرياض والشرقية يمثل أهمية كبيرة في تأسيس عدد من المتاحف المختصة بالفن التشكيلي السعودي المعاصر، على أن تدعو أكبر عدد من المقتنين وأصحاب الجاليريات النشطة في الساحة التشكيلية. كما أن من المهم أن يُكرم الفنانون المتبرعون بلوحاتهم، وكذلك المقتنون لهذه اللوحات، بوضعهم في لائحة شرف في المتحف المنتظر تقديرًا لدورهم ومبادرتهم النبيلة.
ولعل أهم ما يجب التنبه إليه هنا، هو أن يدرك الفنانون الذين اقتنيت أعمالهم بأرقام تبدو غير واقعية، لا تعكس واقع السوق، بأن هذه الأرقام لا تمثل القيمة السوقية للوحاتهم، كما كان يدرك ذلك جيدًا الفنان المصري السيوي في مطلع المقال، لكنهم بالضرورة خطوا خطوة جيدة ومهمة بوضع أعمالهم وأسمائهم في مكانة جيدة ولافتة في ساحة الفن التشكيلي السعودي، أتمنى أن يحذوا حذوهم من لم يشارك من الفنانين الآخرين في هذا المزاد، ويبادروا في مزادات قادمة، كما أتمنى على الوزارة ألا تقتصر على الدائرة الضيقة من الفنانين والمقتنين، فهذا الوطن متسع ومتنوع وثري، خاصة حين تتسع الرؤية، وتشمل الاتجاهات المختلفة كافة.