د.عبدالله بن موسى الطاير
أهانت إيران الرئيس الأمريكي بصمتها وتصريحاتها، فتوّج العقوبات برأس النظام خامنئي، ورئيس الدبلوماسية الخارجية ظريف. الرئيس الأمريكي يبذل كل ما يستطيع لتركيع إيران عن طريق العقوبات والتهديدات، إنه يريد اتصالاً، يريد حتى غمغمة يحتفل بها، يتوق إلى دولة من الوسطاء تنقل إليه أخباراً سارة عن رغبة طهران في التفاوض. طهران تجيد صناعة الصراعات علناً وإجراء التسويات سراً كما يصفها بني صدر، لكن مع الرئيس الأمريكي الأمر مختلف فهو يريد التسويات علانية.
إيران تريد التفاوض ولا تطيقه، فمجرد ترحيبها بالتفاوض يعني أنه لم يعد هناك شيطان أكبر، ولم يعد هناك ممانعة، ولم يعد هناك بطولة يتغنى بها حسن نصر الله وعبدالملك الحوثي. التفاوض المباشر مع رئيس أمريكي يعني نهاية الثورة وبداية الدولة، وهو ما لن يسمح به المتشددون نهائياً. الرئيس أوباما عرض لقاء أحمدي نجاد على تشدده، وجاء الرد رفضاً من إيران، كما طلب اللقاء بروحاني 19 مرة ولم يُجب إلى طلبه. أما الرئيس ترامب فقد طلب لقاء روحاني 8 مرات حتى منتصف العام الماضي دون جدوى. والحال هذه، فإن أفضل ما يمكن أن يحصل عليه البيت الأبيض هو لقاء بين وزيري الخارجية، وهو ما سيضطر أمريكا لرفع عقوباتها عن وزير الخارجية الإيراني.
آخر ما صدر عن الرئيس الأمريكي هو أنه في غير عجلة من أمره، وأنه مستعد لإبقاء الحال على ما هو عليه، ذلك كان سيقتل النظام لولا أن الاتحاد الأوربي أطلق طوق النجاة بتفعيل مسار للتبادل التجاري مع إيران لا يمر بالولايات المتحدة الأمريكية، في ظل تهديد أمريكي لكل من يسلك هذه السبيل. وفي ذات السياق صرح الرئيس الصيني بأن بلاده ستواصل شراء النفط من إيران، ولن تستطيع أمريكا ثنيها عن ذلك، إلا إذا خففت من زمهرير الحرب الباردة التي تشنّها على بكين. ربما لو بقيت الأمور على ما هي عليه من إحكام للعقوبات لكان ذلك مبشِّراً باتصال إيراني قريب، لكن إيران يوماً بعد آخر تعلن، على الأقل لاستهلاك شعبها، بأنها تجد طرقاً، وتبتكر أخرى لتجاوز عقوبات تصدير نفطها ومعادنها.
الرئيس ترامب يقدح من رأسه، ولا ينصاع للمؤسسات التي تمرّست في التعامل مع إيران، ولا يصغي لحلفائه في أوربا، ولا يسمع سوى لنفسه، وهذا ما يجعله رئيساً مختلفاً تفصل عليه نظرية جديدة للسياسة الحديثة. الرئيس يريد إرغام إيران وإكراهها على إبرام صفقة معه، وينتظر موافقتها ليعلن أنه نجح فيما لم يستطعه أسلافه. ولكن إيران لا تطيق احتفاله الصاخب، وترى أنها بدأت تكسب تعاطف العالم، وبذلك فهي تحاول أن تتماسك لعله يدخل معها في حرب، فيصبح الأمر بيد المنظمات الدولية، وعلى كفوف التحالفات العظمى.
الإيرانيون يعرفون ما يريدون كما قال ذات مرة الرئيس أوباما، وأما أمريكا فثلة من المسؤولين يعرفون ماذا يريدون من إيران وهم الرئيس، ووزير خارجيته ومستشاره للأمن القومي، وآل بيته. وفي ظل هذا التعتيم يرتبك الأمريكيون من مشرعين ومفكرين ومحللين ومراقبين، فهم لا يعرفون ما إذا كان الرئيس يريد حرباً، وما إذا كانت تلك الحرب من أجل النفط أو إعادة إعمار إيران أو من أجل تغيير النظام وفرض الديمقراطية الليبرالية الأمريكية التي تراجع الاهتمام بها كثيراً في عهد الرئيس ترامب؟
إذا ضمنت إيران أن الرئيس الأمريكي لن يفضح رسلها، ورسائلها، فقد تبدأ بعقد صفقة خلف الكواليس، وبخاصة بعدما تبدى لها تردد الأوربيين، وعجزهم عن مساعدة أنفسهم، ناهيك عن تنفيذهم ما التزموا به تجاهها، وشكوكها في جدوى نظام المدفوعات الأوربي الإيراني المقترح. ولكنها تعلم أن الرئيس ترامب يريد أن يحتفل بالنصر عليها.
في ظل عدم إمكانية تطبيق معطيات التحليل السياسي لتوقع نتائج هذه الأزمة، بسبب عدم التكهن بتصرفات الرئيس ترامب، فإن تطورات هذه الأزمة يمكن استشرافها في شقها الإيراني الذي لن يتفاوض بشكل مباشر مع الرئيس الأمريكي، وإذا ما اضطرت إيران إلى ذلك، بنظامها القائم، فسيكون التفاوض من وراء حُجُب. ومتى حدث ذلك فسوف نشهد تحولاً دراماتيكياً من قبل الرئيس الأمريكي ترامب نحو إيران.