د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
يتفق المراقبون الاقتصاديون تقريباً على أن فئة المديرين التنفيذيين يتقاضون أجوراً مبالغ فيها مقابل خدمات لا يعرف غيرهم حقيقتها كاملة، وجزء من الأجر يعود لقدرة المدير بعرض أو تسويق نفسه كما لو أنه ماركة تجارية باهظة الثمن، وأنه الوحيد من نوعه في بلد، ولذا فكلما يطلب يجب أن يجاب. ولا شك أن البعض يدفع لبضائع معينة جزءا ضئيلا من السعر لجودتها، والجزء الأكبر لاسم ماركتها. هذه تنامت في معظم أنحاء العالم وليس في الدول الصغيرة ذات الأسواق البهلوانية فقط. ولم يغير من ذلك إفلاس بعض كبريات الشركات العالمية نتيجة لفساد إداراتها.
نقرأ عن رواتب بعض المدراء التنفيذيين فنصاب بالدوار لضخامتها، ونعتقد أنها تدل على عبقريتهم كما تدل البعرة على البعير. ولكن هذا ليس كل شيء، فالراتب ليس إلا قمة جبل الجليد وتحتها يوجد بحر هائل من المكافآت، والانتدابات، والميزات، والحوافز، المنظورة التي يصرفها بعض المديرين لأنفسهم من أموال وأرباح شركاتهم بحجة أنهم هم من جلب هذه الأرباح وليس رأس المال، ولا السوق، ولا البركة. ومن أجل مدير (عين) تكرم مدينة، فلا بد أن يرش سعادة المدير على جميع من حوله منافع مشابهة لكسر عيونهم، ولاستحياء أفواههم، خاصة أولئك الذين يعرفون أين دفنت الجثة، حتى ولو أدى ذلك لتأخر رواتب العاملين الحقيقيين في المؤسسة، المصدر الحقيقي لربحها.
من الميزات غير المنظورة لسعادة المدير الماركة التي لا تشخصها الأشعة المحاسبية: حفلات يكرم فيها المدير بعض المسئولين، والأصدقاء، والأقران وتكون فرصًا لألتقط الصور والظهور بين الفينة والأخرى على وسائل الإعلام؛ مؤتمرات، وندوات يجلس فيها سعادته بجانب علية القوم على المنصة ليطاله بريقهم وتتلمع به صورته؛ خدمة صغيرة هنا أو هناك، كتوظيف من يعز عليه، أو يعز على من يعزون عليه؛ هدايا موسمية تذكر الآخرين بوجوده. سعادة المدير لا يأخذ مكافأة على الربح فقط، فهو يأخذ مكافأة فوز وخسارة، لأنه لولاه لكانت الخسارة أكبر، ولأفلست الشركة بشكل أسرع. وهو رئيس الشركة منذ أنشئت وحتى دفنت.
كثير من شركاتنا تخسر قضاءً وقدراً، ولا راد لقضاء الله، ولكنها تربح بعبقرية المدير فقط.
والحقيقة أن بعض الشركات لا يمكن أن تخسر، وتربح حتى ولو تدحرجت في السوق لوحدها دون إدارة ولا محاسبة. فكيف تخسر شركات تقدم سلعاً أساسية لا مناص للمواطنين من شرائها؟ وكيف تخسر شركات تعدل أسعارها ارتفاعاً بدون ضوابط كلما عنت لها زيادة أرباحها؟ ولكن العبقرية الإدارية لدينا تحيل المستحيل ممكناً وتخسر مثل هذه الشركات، فهل يعقل أن تخسر شركة منحت أرضاً وقرضاً وتتاجر بالتمور في هجر؟ وشركة تتاجر بالمواشي في البلد الأول عالمياً في استهلاك المفاطيح؟
بعض المديرين عندنا لديه مهام جسام تتمثل في البحث عن محاسب يجيد إعداد قوائم مالية تطوف على المساهمين وعلى إدارة السوق المالية السوق المالية. قوائم محاسبية أجريت لها عمليات التجميل الممكنة كافة، ووضعت عليها من المكاييج أكثر مما وضع على وجه بعض الفاشيستنات الجدد. وعليه أن يعرف فن الإعلان عن جميع أنواع الجمعيات العمومية، العادية، وغير العادية، والخارقة، والعاصفة، وأن يحصل على إبراء ذمة يمرق به مروق السهم من الرمية. وبعض المديرين لدينا، عيني عليهم باردة، يستطيعون بكل أريحية التنقل من رئاسة مجلس إدارة لآخر ومن قطاع للقطاع الذي يليه، من الأسمنت للتأمين، ومن المواشي للبتروكيماويات، ومن البنوك للخضروات وهلم جرا، فالحراجات تختلف مضموناً وتتفق شكلاً، وتبقى الماركة، ويبقى الشكل دائماً هو الأهم.