عبده الأسمري
تمر أي قضية بعدة مراحل بدءًا من المشكلة ومرورًا بالمعضلة وانتهاء بالظاهرة.. وتتفاقم بعض الظواهر في حالة التجاهل والتغافل وسوء التعامل لتصبح «كارثة» أو «مصيبة» وقد تدخل في إطار «التعقيد» فتتوالد منها ظواهر فرعية. حينها تتحول إلى «ألغاز «.. يتراوح حلها ما بين «السهل الممتنع» أو «اليسير المستحيل».
لدينا قضايا وظواهر وأمور مزعجة.. باتت «ألغازًا» اجتمع فيها الاستغراب والغرابة وتعمق فيها الخفاء والتواري وتأصل وسطها الريبة والشك!!
سأطرح جملة من الظواهر والقضايا وحتى العادات التي وصلت إلى مستوى «الألغاز المحيرة» بأمر «الروتين» وبحجة «التسويف» وبعذر «التساهل»وبسطوة «التأجيل»:
* الظفر بسرير مريض من وزارة الصحة أشبه بلغز محير في ظل مساحات مستشفيات توازي أبعاد «مدن» وداخلها يعج بالفضاء المفتوح وبالديكورات الباهتة.. فيما يتكدس المرضى على بوابات الطوارئ وفي مكاتب البرقيات ويلاحقون المكتبات بحثًا عن «فاكس» وهذه الأخيرة مخجلة جدًا فما زالت مستشفياتنا تتعامل بهذا الجهاز العتيق التي تتوه أوراقه وتختفي معالمه وراء البيروقراطية..
ويبقى اللغز من يستطيع تقننين المصروفات وتقليل فواتير الأجهزة وتوفير أسرة كافية للمرضى وفق الدراسات حتى لا يتم تشغيل الأجهزة الباهظة أمام فضاء مخجل ينتظر الأسرة الغائبة.
* أصبح لكل قرية لدينا صحيفة إلكترونية والشروط سهلة «جهاز كمبيوتر محمول وخمسة آلاف ريال» كفيلة بفتحها ومن ثم ترى المسميات التي يوزعها رئيس التحرير على الأهل والربع فتجد مدير التحرير «عسكريًا متقاعدًا» ورئيس المحليات «خريج كفاءة قسم ليلي» والمحررين ثلة من الجماعة «مدرسين وموظفين مدنيين وطلاب ثانوي وخريجي جامعات» والعم مديرًا عامًا والخال رئيس مجلس إدارة وزميل الدراسة كبير المحررين وهكذا.. عجبت والله وتذكرت تلك الأيام التي كنا نرابط فيها في الميدان للظفر بخبر يخضع إلى إشراف عتاولة من الصحفيين القدامى في الصحف الورقية وكأنهم «هيئة للخبراء» فقط للتدقيق في الخبر ورصد معلوماته وإجازته أما البطاقة فلا يمكن أن تنالها إلا بعد دورة صحفية أشبه بدورات الصاعقة حتى تكون صحفيًا أو إعلاميًا أما في زمن الصحف الإلكترونية العشوائية فالكل إعلامي والجميع محرر والأغلب مسؤول بمنصب مجاني وإن بحثت عنهم ستجدهم في المناسبات متأبطين برشورات المناسبة ومتوشحين ببطاقة «إعلامي» مهداه من سعادة رئيس التحرير وإن أردت «الضحك» أو «التعجب» عليك البحث في محتوى الصحيفة ستجد «أن كل ما يكتب في جوال أو يقال في مجلس أو هرجة في كشتة» يعد مادة صحفية وتجده منشورًا حتى بملصقات الواتس أب من فويسات وورد وعلامات.. عجبي.. من يحل لغز القضاء على هذه المهزلة؟!
* لفظ «المثقفين» لدينا غريب عجيب ورأينا أخيرًا العشرات ممن اسموا أنفسهم «مثقفين» جلهم من الممثلين والمطربين وحتى السائقين والبعض من «المطبلين» فيما تجاهلت مناسبات الثقافة الأدباء والقاصين والروائيين والمؤلفين.. أين نحن من احترام المثقف الحقيقي الذي يجب أن يكون بينه وبين «المتثيقف» برزخ للتفريق..
النموذجان «لا يستويان مثلاً» فبينهم «فرق وافتراق».. من القادر على التصنيف الحقيقي ودعوة المثقف الحقيقي وتوجيه الآخرين إلى مواقع تناسب ميولهم وإمكاناتهم حتى تبقى مسارح الكلمة وميادين الأدب لأبطالها وفرسانها بعيدة المنال عن «الدخلاء».
* تجاوز عدد المدربين والمستشارين لدينا أعداد المتطوعين وإن أردت معرفة «اللغز» عليك فقط بقراءة مهام هؤلاء المدربين الذين يعقدون دورات لأي شيء حتى لإزالة التوتر من الشوارع وتنمية الذات في ساعة وإدارة الأزمات في أيام معدودات وإن أردت التعجب أدخل فقط على السير الذاتية ستجد «الزمالة» و»الاعتماد» من القارات الخمس وإن وددت «الضحك» بإسراف أحضر دورة واحدة لهؤلاء المزيفين سترى أنك في «مشهد تمثيلي» أو «مسرحية هزلية» وسترى المدرب يؤدي حركاته وكأنه في تمارين «يوقا» كله من أجل ترويج الوهم وبات لدينا مدرب مدربين وخبير طاقة ورائد تنمية ومستشار دولي.. كل المطلوب شهادات وأختام تتحرك وفق «التحويل».. لقد سأم المجتمع من الإسفاف التدريبي والسفه الاستشاري والوهم المتزايد..
لغز كبير من يستطيع وضع حد لهذا الهزل بطريقة محكمة وسريعة وبقرارات موجعة وبعقابات أشد وجعًا؟