د.ثريا العريض
ما أجمل أن تتوالى علينا المواسم ويكون كل منها موسماً للاحتفاء بأحلام تتحقق.
تمنيت لو كنت ضمن من شاركوا عن قرب ضمن الوفد السعودي في زيارة كوريا الجنوبية وفي قمة العشرين باليابان. لا شعور يماثل الشعور بأنك تعايش التاريخ وهو يصنع, وأن تراه في إطاره الممتد عبر الزمن والجغرافيا. وفوق ذلك أن يكون ما ترى هو حلمك يتحقق.
عشت عن بُعد بعض أجواء الاحتفاءات بالزيارة التاريخية وتفاصيل الاستقبال الرسمي والفردي لولي العهد، إذ يمثل واقع المملكة ويوضح دورها العالمي وحلمها على أرضها لإسعاد مواطنيها وازدهار جوارها وأمنه.. وسعدت بها.
لو كنت هناك لتحدثت بإسهاب عن الحلم الذي ظل يؤرقني شخصياً منذ عدت إلى الظهران من سنوات التغرب للدراسة متخصصة في أفضل الطرق لتنمية المجتمع ثقافياً واقتصادياً, وتأمين استدامة ازدهار مستقبله , لأكتشف أن هناك مدّاً خانقاً يتنامى بهدف معاكس تماماً, يترصد لأصحاب الأحلام ليسرقها أو يمزقها أو يحرقها.
وظللت متشبثة بحلمي, وبأن وطني يستحق فعلاً أن يصبح تجسيداً حياً مستدام الطموح, معلماً للتميز يشع تأثيراً حضارياً.
نعم ذقنا مرارة معاناة متصاعدة تترصد لفرح المجتمع وتمكين المرأة والعدل في تقييم الناس بالتقوى والذمة والتأهيل.. لا بالمظهر الجسدي.
كم هو جميل اليوم أن نلامس بكل حواسنا مدى التغير في الأجواء المجتمعية يرسم ابتسامة رضا على معظم الوجوه. وكم هو مثير أن تتذكر أن كل هذا التغيير يتحقق في قفزة زمنية خلال ثلاث سنوات ليبني على ما سبق من جهود التطوير ويجلو منجزاتها ويحملها إلى قمة التنفيذ والتجسيد , منهياً كل مواجهة أنانية سعت لمنع التغيير خلال العقد الأسبق.
علينا أن ندعو ونعمل لتجذير هذا التحول الذي أشرع بوابات الانطلاق إلى تمكين كل المواطنين والمواطنات وبالذات فئة الشباب, وفتح فضاءات الإبداع في الفن والعلم والابتكار, وتعدى الحاضر إلى المستقبل بمشاريع بناء المواهب وحماية البيئة وأمن الجوار. مشاريع ومبادرات وحماس شبابي واضح وارتياح عام يثلج قلبي بعد طول احتدام.
ببساطة بعد أربع عقود وأنا أنادي بضرورة التحول الفكري على أرض الواقع الحي لإيقاف تصاعد الانحراف إلى التطرف والتفاعلات السلبية الناتجة عن محصلة تداخل التشدد والغلو وتحريم الترفيه والتركيز على الجسد, مع فكر الطفرة المادية المترفع عن العمل الميداني وفكر الانغلاق والإقصاء والتجريم الرافض لكل ما هو مختلف عما تفرضه الأعراف، فيصبح سائداً محلياً يتطلب خضوع الجميع دون تقبل للحوار المنطقي الواعي.
كنت أحلم بوطن يسوده التسامح ويمارس التعايش وينجب المبتكرين وينتج في الحاضر ما يستحق الفخر والإعجاب, بالإضافة إلى ما اعتدناه من الفخر بما أنجزه السلف وتبرير كل ما فشل فيه..
يفرحني الآن كمتخصصة في إدارة مؤسسات التعليم والتخطيط البعيد المدى والتنمية المستدامة أن أرى جل ما حلمت به يتحقق.
كم غلبني الحزن في الماضي وأنا مضطرة كباحثة تهمها المصداقية أن أشير إلى مؤشرات السلبية. وها هي تأكيدات قيادتنا رسمياً ممثلة بحضور ولي العهد في قمة العشرين بأوساكا, واحتفاءات ردود الفعل وهي تقيّم القفزة «التحولية» ترسم ابتسامة رضى على وجهي وفي قلبي.
أستطيع أن أقول إنني أرى حلمنا يتحقق.. والحمد لله.
وبقي أن يتحقق حلمي الخاص بأن يكون دوري في بناء الوطن دوراً مستداماً.