رمضان جريدي العنزي
على وطنك لا تساوم، أبداً لا تساوم، مطلقاً لا تساوم، البتة لا تساوم، لا تسمع لأصحاب البهت والزيف والإرجاف واللغو المبين، لا تصغي لهم، لا تضعف لهم، لا تستكين ولا تهادن، ضع في الأذن اليمنى عجينة وفي الأذن اليسرى طينة، ولا ترهف سمعك لطنين الذباب أو نقيق الضفادع فلا طنين الذباب حسن، ولا نقيق الضفادع جميل، ولا أصوات الاثنين ماتعة، وحتى الغراب طائر لا أنس عنده يمارس دوماً نعيقه فوق أطلال الخراب، ولا تعجب للحرباء حين تغير جلدها فلمسها ناعم وفي جوفها السم الزعاف.. واحذر من الثعالب فهي ماكرة وتجيد الخداع والمراوغة، ومن الضباع أحذر فليس معها أمان، فإن جاعت جنت، وتمشي من البشاعة والبلادة بلا التفات، ولا تأنس للعقارب فشكلها مخيف وحملها سم مميت، وبعض العناكب مثل العقارب في جوفها سم مرير.. ومن الثعابين احذر، ولا تسمع لجاحد أو حاسد أو حقود وإن كان مفوهاً، فبئس المفوه وبئس كلامه، وكذا اللئيم له طباع خبيثة وإن أشبعته ثريداً، لا تأمن جانب الخائن فليس بعد الخيانة شيء، وليس عند الخائن ضمير، وليس عنده أمانة، وكذا الخبيث له نتانة ما خالط شيء إلا شانه وكدره وعابه.. ولا تركن للغادر فقوله مسيء قبيح، وكذا فعله وشأنه، ولا تأنس لصاحب الوجوه المتعدد، ففي كل لحظة يخلع وجهاً ويلبس وجهاً، هو ذا ديدنه من أول النهار لآخره، والذي يعيش النقيض لا تأمنه، ولا تأنس له لأنه يعيش النقيض، فكيف بمن يعيش النقيض يؤدي الأمانة.. وانفر صاحب الهوى فغايته البحث عن الهوى وكفى، وامقت النرجسي محب الذات وصاحب الأنا، لأنه لا ينظر إلا بعين الأنا.. ولا تبتئس لمن نام في حضن العدو ونما، فلا خير فيه وإن تغنى أو نظم القصيد أو حسن القول أو نظر أو شدا؛ فهو أجير ويبقى أجيراً، وسيطرده العدو ذات يوم من حيث جاء وأتى، لأن البازار الذي جلبوه لأجله انتهى، وصلاحيته انتهت.. لا تسمع للعدو اللدود وإن أبدى الود أو لان أو صفا؛ فهو يعطي من طرف اللسان حلاوةً، لكنه يروغ كما تروغ الثعالب من بنادق الصيادين الأشاوس. الفظ كل هؤلاء، لفظاً تاماً ولا تبالي، واجعل ما يقولون مثل الهباء المنثور، وارمِ كلامهم في أقرب حاوية، أو في أدنى أرض سبخة، لأنهم يريدون لك الشر والخراب والتيه والضياع والعودة إلى التكلس والتخلف والتحزب والتخندق والفرقة والقتل والاحتراب.
فاحفظ وطنك، احفظ وطنك، استمسك بعروته، شد بيدك طنبه حبله ووثاقه، وركز بقوة وتده، لأنه مصيرك ومستقبلك وأملك، حياتك ومماتك، فلا يجعلك هؤلاء اللاغون المألبون المرجفون مطية لهم وألعوبة، وكرة يقذفونها بأقدامهم العارية.