مها محمد الشريف
لا شك أن أهداف الدول ممكنة التحقق، لذلك تُقام القمم والمؤتمرات والزيارات الرسمية، لما لها من أهمية، ومن منطلق هذا المسار عقدت قمة مجموعة العشرين التي استضافتها دولة اليابان، حيث جسدت التقارب الدبلوماسي بين مجموعة العشرين وقادتها والمسؤولين، فكان التبادل الاقتصادي محوراً مهماً في اللقاءات إلى جانب مجموعة من القضايا، حيث تميز كل قائد بثقافة ومعايير مختلفة، رصدتها عدسات الكاميرات، فكان لولي العهد الأمير محمد بن سلمان نصيب وافر من اللقطات الاحترافية.
في أوساكا شارك 37 زعيماً ومسؤولاً، تناولوا الملفات الأكثر أهمية وهي التركيز على حرية التجارة وتعزيز النمو الاقتصادي العالمي والاقتصاد الرقمي، ودعم التنمية المستدامة وبرامجها مثل الصحة والتعليم وفرص العمل وكذلك البنية التحتية لقاءات مهمة جرت على هامش قمة مجموعة العشرين، أبرزها لقاء الرئيس بوتين وولي العهد السعودي والذي أسفر عن تفاهمٍ أولي حول تمديد اتفاق تقليص إنتاج النفط، فالاقتصاد يقوم على العلاقات والتبادلات وعلى قواعد إنسانية تصنع القيمة الحقيقية للحلول المستدامة للدول، وطبيعة العمل تكشف بجلاء قوة العلاقات بين المملكة واليابان فقد اندمجت القيمة التبادلية بين البلدين، بقدر القيمة التي وظّفت لإنتاجها، وعدد من الاتفاقيات ومذكرات التعاون بينهما وهي: اتفاقية التعاون الاقتصادي والفني بين الحكومتين، وتجنب الازدواج الضريبي لمنع التهرّب الضريبي بين البلدين، ومذكّرة تعاون بين وزارة المياه والكهرباء في المملكة وكل من وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة ووزارة الأراضي والبنية التحتية، ويمكن إدراك أهمية هذه الشراكة والتنوع الكبير من قوة اقتصادية وسياسية وثقافية وأمنية، وإلمام المملكة بتفكير إستراتيجي يواجه تحديات العصر، وتبادل مؤثِّر تحتفظ به سجلات التاريخ الحافل.
ولهذا نجد أن الاستثمارات اليابانية في المملكة في قطاع الصناعات التحويلية مثل البتروكيماويات صناعة رائدة، تسعى إلى رفع قيمة متوازنة في العصر الاقتصادي، وبالنظر إلى أن اليابان هي موطن كبرى شركات صناعة السيارات والمعدات الثقيلة والتكنولوجيا فهناك فرص لجذب استثمارات يابانية لمنفعة البلدين على حد سواء.
وفي تلك التبادلات التي تغذّي اقتصاد البلدين وشراكات قديمة مثل شركة بترورابغ بين أرامكو وسوميتومو حجم استثماراتها أكثر من 40 مليار ريال، ويستقبل السوق السعودي من الصناعات اليابانية مثل السيارات وقطع الغيار والإلكترونيات، وحجم التبادل التجاري يصل سنوياً إلى 56 مليار دولار.
يتضح من ذلك أن السعودية هي المورد الرئيسي للنفط في السوق الياباني، كما تعتبر اليابان الشريك الإستراتيجي الأهم ومن أكبر المستوردين من المملكة، حيث تشكل الصادرات السعودية إلى اليابان ما نسبته 14.4 في المائة من إجمالي صادرات المملكة وفق بيانات عام 2010، والحقيقة العميقة تؤكد عمق العلاقات الإستراتيجية، حيث يعد النفط الخام ومنتجاته السلعة الرئيسة في هيكل السلع المصدرة لليابان. ولا يغيب عن ذهن العالم مكانة المملكة الاقتصادية وحجم الصادرات السعودية لليابان بما يقدَّر نسبته من 99 في المائة، ونستشهد بمقتطفات من تقارير موثَّقة لحجم الصادرات الأخرى من المنتجات البتروكيميائية مثل الميثانول والبولي إيثيلين، وكلورور الإيثيلين، وما يبدو لنا مهماً أن نلاحظه، هو اتفاقية التعاون للانتقال بالصناعة السعودية لعصر الثورة الصناعية الرابعة بالاعتماد على التقنية، والاتفاق على دراسة إدراج أرامكو ببورصة طوكيو في حال اكتتابها.
إن العالم كما نراه يتجه نحو رؤية مستقبلية اقتصادية تترجم أهمية التعاون والتبادل لإقامة مناطق اقتصادية خاصة بالشركات اليابانية في السعودية لزيادة جذب الاستثمارات، وكذلك دعم النهوض بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة وكذلك اقتراب الشركات اليابانية من الشرق الأوسط كأحد أهم أسواقها.
علماً أن اليابان تحتل المرتبة الرابعة من حيث أكبر الدول المورِّدة للمملكة وفق بيانات عام 2010، وقد شهدت واردات المملكة من اليابان نموًا كبيرًا خلال الخمس السنوات الماضية باستثناء عام 2009، حيث شكّلت تلك الواردات في المتوسط ما نسبته 8.1 في المائة من إجمالي واردات المملكة من العالم، فيما ترتكز أهم الصادرات اليابانية إلى السوق السعودية في السيارات، وقطع غيارها، وإطاراتها. ولنسجل للتاريخ هذه اللقاءات، حيث شكر رئيس الوزراء الياباني لولي العهد السعودي مشاركته في أعمال قمة أوساكا والمساهمة في إنجاحها، وأبدى استعداد حكومته للتعاون في سبيل إنجاح أعمال القمة المقبلة لـ»مجموعة العشرين» التي ستستضيفها السعودية، وعبَّر ولي العهد لرئيس الوزراء الياباني إدارته الناجحة لقمة أوساكا، وقال: «سنعمل معاً للتحضير لقمّة العشرين في 2020 في المملكة العربية السعودية». في الحقيقة تجاذب وتعاون مثمر بين البلدين محل تقدير واهتمام.