د. محمد بن إبراهيم الملحم
كيف يمكن لهيكل الوزارة أن يسهم في حل الأزمات المتداخلة في أجهزة الإشراف والتي تكلمت عنها في المقالة السابقة؟.. أعتقد أن هناك أكثر من فرصة، أولها: طبعاً دمج إشراف البنين والبنات وتوحيد السياسات.. وثانياً: إعادة تسمية وكيل الوزارة بمسمى وكيل الوزارة للإشراف التربوي (باعتبار أن كلاً من النشاط والإرشاد هي أيضاً إشراف تربوي)ئ.. وهذا سيبرز المصطلح ويؤكد قيمته «التعليمية» ويخرجه قليلاً من حالة القلق، كما وأنه تبعاً لذلك تتغير تسمية الإدارة العامة للإشراف التربوي إلى الإدارة العامة لتحسين التعلم.. وثالثاً: جعل هذه الإدارة هي البوابة لدخول وظائف الإشراف الأخرى (النشاط، الإرشاد، الطفولة المبكرة... إلخ).. وهذا الجانب من المقترح ينتمي إلى أدلة الهيكل وتنظيماته الجديدة والتي يفترض أن تستهدف تحسين العلاقات لأداء أفضل، وهنا فإن كل مشرف تربوي يجب أن يثبت ذاته في عمله الإشرافي لتحسين عمليات التعلم وعلى مدى أكثر من سنتين ليصبح كفؤًا بعد ذلك ليتسلم عملاً إشرافياً في المجالات الأخرى وهذا سيجعل تجربته الأولى مرجعاً رئيساً لسلوكه وثقافته الإشرافية في المجال الجديد، لا في الإدارات التعليمية فقط، بل حتى في إدارات الوزارة العامة حيث ستمثل تجربة مشرف الوزارة السابقة كمشرف وزاري عام في «تحسين التعلم» مرجعاً رئيساً لنشاطاته وثقافته في عمله الجديد كمشرف وزارة (أو مسؤول) في الإدارات الإشرافية الأخرى.
من جانب آخر سوف يحل هذا الأمر مشكلة قصر المهام الطارئة أو الهادفة لتنفيذ عمليات التقييم أو التطوير (أو المهام التنفيذية لإدارات وكالة التخطيط والتطوير أو وكالة الشئون المدرسية) على المشرفين التربويين دون غيرهم من المشرفين في إدارات التعليم باعتبار أن أولئك لا يمتلكون ما لدى المشرف التربوي من الخبرة والموثوقية، وهذا التقاطع مع الإشراف دون غيره مثقل ومشتت له عن أهدافه لتحسين التعلم بينما تظل الوحدات الإشرافية الأخرى (غالباً) بعيدة، بينما عندما يكون العمل المسبق في إدارة الإشراف التربوي هو المدخل لتلك المجالات الإشرافية الأخرى فإن الثقة في أداء وقدرات أفرادها (كمشرفين تربويين سابقين) ستشجع على الاستعانة بهم بنفس القدر والثقة التي يستعان فيها بمشرفي الإشراف التربوي مما سيقلل كثيراً من الضغط على المشرف المختص لتحسين التعلم ليتفرغ لعمله الأساس ويبدع فيه.
كل ما سبق لن يكون «بمفرده» علاجاً ناجعاً للارتقاء بإدارة الإشراف التربوي (أو إدارة تحسين التعلم) ولكن كما هو الحال مع كل مشكلات التعليم فإنه لابد من الشمولية وتعدد مداخل العلاج، ولذلك لابد أن يتزامن مع تطوير الهيكل عمليات تطوير جادة للارتقاء بأداء المشرف التربوي، وذلك من خلال تكثيف الدعم لتدريب الموجودين بعدة طرق ووسائل، ووضع إطار تقييمي جاد ومميز لتعديل المسار المهني لكل منهم بحيث من لا يستطيع التوافق بدرجة مقبولة مع المنهج الجديد (سواء من حيث الاستيعاب أو التقبل) فإنه يتحول إلى مجال خدماتي آخر، لأن مثل هؤلاء يعيقون تقدم المجموعة الجديدة التي يتم تمكينها بالهياكل والتنظيمات الجديدة، كذلك ينبغي أن يمنح المشرف على عمليات تحسين التعلم صلاحيات كافية تساعده على القيام بمهمته، وتحفظ لتوجيهاته القدر الكافي من تقدير ومتابعة المعلم، لا أن يكون بمثابة «المستشار الذي لا يستشار» فيكتب ويوجه ويحاور ويلخص، بينما المعلم ومدير المدرسة لا يعبآن كثيراً بما يقدمه من نصائح وإرشادات، ويسير كل منهما بالطريقة التي يراها مناسبة (أو مريحة غالباً).
الإشراف التربوي هو أمل التطوير والتحسين لأهم جانب في التعليم وهو «عمليات التعلم» والعلاقة بين المعلم والطالب في جوانبها المعرفية والنفسية والاجتماعية تصوغها أنشطته ومجالاته وجهوده، ولذا ينبغي أن توليه الوزارة أهم عنايتها لا أن تغض الطرف عنه فقط لمجرد نقص القيادات الإشرافية المميزة، فهذا لا يصعب العثور عليه في مجتمع التعليم الواسع اليوم وانتشار الوعي والثقافة التربوية، وكذلك كثرة حملة الشهادات العليا من الشباب خريجي الجامعات المحترمة في الخارج والداخل، ليس المستجدين فقط وإنما المخضرمين الذين لا زالوا في الميدان ويطمحون في الاستفادة من تخصصاتهم وخبراتهم، الإشراف التربوي كان قلقاً ويعاني على الدوام وأتمنى ألا يظل في قلقه ومعاناته إلى الأبد.