د. حمزة السالم
الاقتصاد الحديث هو نظريات اقتصادية محضة، سُلّمت تنظيراتها للانصياع لسنن الله الكونية فلم تعاندها. فمبدؤها: حرية السوق التي تمثلها حرية الأسعار والتي لا تتحقق إلا بحرية المنافسة. والتدخل في اختلال المنافسة، قد يكون غير مباشر، كتقديم الإعانات مثلا.
وتدخل الدولة في السوق يكون بخمسة أمور رئيسية هي: الضرائب، والإعانات، والإنفاق (ومنه الملكية الحكومية)، وتحديد الأسعار، وتحديد الإنتاج (ومنه التصدير والاستيراد والامتيازات).
فمتى تحقق السعر الحر، توفرت السلع حينها بسعر التكلفة الاقتصادية، فلا ربح فاحش لتاجر، ولا إسراف من مستهلك بسبب تقديم سلعة له لا يقدر ثمنها. وبهذا يتم استغلال الموارد الاقتصادية المحدودة أمثل استغلال؛ لحرص المتنافسين على رفع كفاءة الإنتاج بأقل كلفة، ليحققوا الأرباح.
(والتكلفة الاقتصادية هي التي تشمل ما لا يُحسب في التكلفة المحاسبية. كحسن الإدارة والمهارة ونحوها).
وحرية الأسعار، مبدأ معروف من قديم، وقد أمر عليه الصلاة والسلام به حين رفض التدخل في السوق فرفض التسعير، فقال: (إن المسعر هو الله). وأمر نبينا بتحقيق المنافسة، فحرم عليه السلام تلقي الركبان. واليوم، نرى منع الاقتصاد الحديث للتدخل الحكومي، إيجابا أو سلبا. فالعدل كل العدل في السعر العادل، وفي الاستغلال الأمثل للموارد في حرية الأسعار والمنافسة. فالسوق تحكمه الأسعار والأسعار تحكمها الكلفة. فكل زيادة مصطنعة في الكلفة يمكن للدولة منعها، فيجب أن تمنعها، كمنع الاحتكار والامتيازات والضرائب، وهذه كلها تشريعات قد وافقت الأوامر النبوية.
وكذلك يجب منع كل تخفيض مصطنع للكلفة. فهو لن يكون مجانًا، بل على حساب طرف من أطراف المجتمع؛ ليسرف طرف آخر بحصوله على مورد اقتصادي لا يقدر ثمنه.
وقد أمر الإسلام بالعدل مع الغني والفقير، والإسلام يدل على سنن الله الكونية في السوق، والرأسمالية اجتهدت في تتبع سنن الله الكونية. لذا؛ لم تنحز الرأسمالية للتجار ولا للحكومات ولا للشعب، بل لما يحقق المثالية الاستغلالية المثلى للسوق؛ وبهذا يتحقق تعظيم اقتصاد المجتمع كله. ومن هذا، مَنعُ الاقتصاد الحديث الإعانات الإسرافية، بينما أقر الإعانات التي تعظم الإنتاج، وبالتالي الأرباح.
فالاقتصاد الحر، لم يمنع التعاون والصدقات والإحسان، بل منع تدخلها في السعر العادل، فعزلها عن الاقتصاد، وذلك بعزل السياسة الحكومية عنها وعن الاتجار بها في السوق.
ولعله بذلك يكون قد تبين لنا معنى السوق الحرة، فهي السوق التي يحكم السعر مستوى العرض والطلب فيها دون تدخل خارجي، كإعانة أو احتكار لسبب أو غيره. ولهذا، لا مجال في السوق الحرة التنافسية، من اصطناع رفع الأسعار.
وحرية السعر هي جوهر الرأسمالية، ويُختزل معنى الرأسمالية في قوله عليه السلام في الحديث عن أبي هريرة «أنه جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: يا رسول الله سعر لنا، فقال: بل ادعوا الله، ثم جاء رجل فقال: يا رسول الله سعر لنا، فقال: بل الله يرفع ويخفض، وإني لأرجو أن ألقى الله وليست لأحد عندي مظلمة». وفي رواية أنس «غلا السعر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقالوا: يا رسول الله لو سعرت. فقال: «إن الله هو القابض الباسط الرازق المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحد بمظلمة».