الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تؤكد الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع المسلم، ونشر الخير والتشجيع عليه في شتى المجالات والميادين، وفي ظل المتغيرات المتسارعة الحديثة، وفي زمن المصالح والمنافع يلحظ الضعف في الإقبال على المشاركة في الأعمال الخيرية على الرغم من الجهود المبذولة من فئات محددة.
«الجزيرة «طرحت التساؤل حول كيفية تشجيع العمل الخيري وترسيخه في أوساط المجتمع، وبالذات للأجيال الجديدة، والسبل الكفيلة للنهوض به في زمن الإعلام والاتصال الجديد، وذلك بمشاركة نخبة من المهتمين بالعمل الخيري والاجتماعي والإعلامي، وكانت رؤاهم على النحو التالي:
طرق حديثة
يقول الأستاذ عبيد بن عبدالله البرغش المختص في المسؤولية الاجتماعية: إنه منذ عصور عرفت المجتمعات الاجتماعية الأعمال الخيرية بين أفرادها والمساهمة ولو بالقليل في خدمة من يحتاج للمساعدة والعون من غير تكلُف أو مِنّه فهم يعتبرون العمل الاجتماعي والمسؤولية المجتمعية أحد أساسيات حياتهم، ومع التطور الذي طرى على تلك المجتمعات إلا إنهم ما زالوا متمسكين بهذا النهج من التكافل والتعاون فيما بينهم، حيث استحدثوا عدداً من الطرق التي تثري العمل الخيري والتطوعي والاجتماعي وتجعل منه أكثر انتشاراً بين أفراد المجتمع والسعي في الترغيب للخوض فيه بشتى الفئات العمرية وتكثيف هذا الدور من خلال المؤسسات والمنظمات الخيرية.
ثقافة متجذرة
وتؤكد الدكتورة شيمة بنت إبراهيم العتيبي مستشارة التنمية المستدامة أن المتتبع للعمل الخيري في بلادنا يجده راسخ في عادات ومعتقدات الشعب السعودي وثقافة متجذرة، جُبل عليها أبناء هذا الوطن لأن منبعها الدين الإسلامي وسواء كان العمل الخيري عملاً فردياً أو مؤسسياً فقد أصبح نموذجاً يحتذى به بالخارج.. ولكي نزيد من انتشاره وتأصيله في الأجيال الجديدة فلابد من تسخير الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي للتوعية ونشره فالإعلام من أهم عوامل تسيير المجتمع فهو المسؤول دائماً عن الارتقاء بثقافة المجتمع أو انحداره، وأهم سبب للتراجع هو بعض وسائل الإعلام الذي انحرف عن رسالته الحقيقية إلى أمور سلبية وثانوية؛ ثم إن عدم التصحيح من الشارع الناضج والقبول بتلك المسارات أدت إلى ما آل إليه الضعف في نشر الخير وأهمية التكافل الاجتماعي.. ولو رجعنا للماضي لوجدنا أن الإعلام أدى رسالة وافية وكاملة عن أهمية التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع المسلم من مشارق الأرض ومغاربها مما انعكس بصورة إيجابية على السخاء الذي قدم من هذا الشعب الوفي المعطاء، وهو وفِي بطبعه كريم بصفاته معطاء بدينه، لا يمن ولا يحقد ولا يحسد، يده ممدودة بالخير للغير للقريب والبعيد للجار والغريب، وعندما ندرك أن المعادن أصيلة والدين متأصل فلا ينقصنا إلا إعلام وطني ديني يعيد ما مضى ويصل ما انقطع.
ضبط وآلية
ويرى الأستاذ جيلاني الشمراني المستشار الإعلامي والمهتم بالعمل التطوعي أن العمل الخيري جبلّة في النفس البشرية ولكن..! قد يدخل عليه دخلاء متنفّعون همهم مصالح شخصية قد يكون منها الوصول لمكاسب شخصية، ويظن أن إبراز اسمه في العمل التطوعي والمسؤولية المجتمعية كناشط تارة ورائد أو رائدة في المسؤولية المجتمعية تارة أخرى سيوصله سريعاً لمنصب يرغبه أو لمكانة اجتماعية مرموقة.
والعمل الخيري يجب أن يضبط من خلال الجمعيات والمراكز الخيرية بحيث تكون هناك آلية واضحة للعمل الخيري، أقول ذلك وقد شاهدت حرص شبابنا وفتياتنا على العمل الخيري ولكن الاندفاع بلا ضوابط لا يحقق الأهداف المرجوّة والتي نصت عليها رؤية 2030، ولا يمكن أن ينضبط إلا بتكاتف الجهود بين الجهات ذات العلاقة كوزارة العمل والتنمية الاجتماعية والجمعيات الخيرية ولجان التنمية الاجتماعية وأن تحفظ ساعات العمل الخيري التي يبذلها المتطوع وتصبح حافزاً له يفاضل بها أثناء تقديمه للجامعة مثلاً، وكذلك الشركات والمؤسسات ورجال الأعمال الداعمين فتحفظ لهم حقوقهم وتكون لهم ميزات في وزارة العمل أو التجارة أو الغرف التجارية بهذا نعرف الذي يخدم المسؤولية الاجتماعية ويقدم من وقته وجهده وماله من الذي فقط يحضر هنا وهناك ويقدم في المنصات ولا يقدِّم فعلياً للعمل الخيري شيئاً ملموساً.
ونحن في عصر التقنية الحديثة والتكنولوجيا والإعلام الحديث أو ما يسمى بـ«السوشل ميديا» فلماذا لا تطوّع في خدمة العمل الخيري وتحفظ الحقوق ويخرج المتنفّعون الذين يخدمون أنفسهم فقط سواء من المتسلقين الذي يريدون مكاسب شخصية أو المشاهير الماديّين الذين أضروا أكثر مما نفعوا، وكم من جمعية خيرية وكأنها ملك خاص أو مؤسسة عائلية فتجد رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي والمدير العام إخوة أو أبناء عمومة يهاجمون ويرفضون كل من يأتي بينهم ولو كان ذا كفاءة ويحمل المؤهلات العلمية، وتجد رئيس مجلس الإدارة من عشر سنوات لم يتغير!! فكيف نرتقي بالعمل الخيري ومثل هؤلاء يتولون مناصب حساسة في الجمعيات الخيرية؟.
ختاماً أتمنى على وزارة العمل بذل المزيد من الجهد والمراقبة وإشراك هيئة الرقابة والتحقيق والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» لمراقبة عمل هذه الجمعيات لكي نصل لطموحنا في ضبط العمل الخيري وتوحيد الجهود والاستفادة القصوى من كل ريال يتبرع به فاعل خير وكل دقيقة يبذلها المتطوع، فالعمل الخيري هو القطاع الثالث التنموي المهم في المملكة ينبغي أن يكون قوياً وداعماً ورافداً اقتصاديا مهماً مع القطاعين الحكومي والأهلي.
وسائل معينة
وتبين الأستاذة جوري الحارثي مصورة وكاتبة صحفية أنه توجد العديد من الوسائل التي تساعد على نشر الخير جاءت بها آيات القرآن الكريم، أو السنّة النبوية الشريفة، ومن تلك الوسائل والأساليب ما يأتي: دعوتهم إلى الخير بالكلمة الهادفة الرقيقة، والأسلوب الحسن الشيق بحيث يقبلون منه الخير، ويأخذونه برحابة صدر، وتتنوّع وسائل الدعوة إلى الخير حسب طبيعة الداعي، ومكانه الذي يدعو منه إلى الخير، كأن يكون محاضراً فينشر الخير في محاضرة عامّة، أو يكون مدرّساً؛ لجماعة من النّاس فيدعوهم من خلال درسه، أو يكون خطيباً؛ فيدعوهم من منبره، أو يُقدّمها على شكل نصيحة فرديّة. وتقديم الشكر لمن يساهم في دعم الدعوة إلى الخير، والثناء عليه، كما أن الإهداء، من الوسائل العمليّة لنشر الخير وقبول المواعظ، وهو طريق مُختصَر للقلوب؛ حيث يصل الداعي إلى قلب المدعوّ بسهولة، يُمكّنه من التأثير عليه، وتهيئته للاستجابة له برحابة صدر، وقد قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في ذلك: (تهادَوْا تحابُّوا).
بوابة النفاذ
وتوضح الأستاذة نهى بنت عبدالفتاح البوق التربوية والإعلامية عضو المنظمة الدولية للجهود التطوعية أن أسهل الطرق لنشر الخير اتباع المنهج السماوي والنبوي في العبادات، كالأمر للصلاة، تبدأ عادة فتنتهي عبادة، قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (132) سورة طه، وبعد النجاح الذي شهده برنامج «فرجت» بخدمة شريحة مخصصة، نرجو أن تكون منصة «أبشر» هي بوابة النفاذ الموحد للتبرعات لكافة الجهات المعنية بأعمال الخير في المملكة، ومرتبط بالسداد المالي للأنظمة الحكومية مع إضافة خصم تشجيعي للمشترك في حال إرفاق إيصال التبرع، نتعاون لتكون العادات عبادات.
الظروف الاقتصادية
ويرى الأستاذ علي بن مهدي القرني أن التراجع لم يكن إلا لسبب اقتصادي، وإلا الشعب السعودي شعب معطاء بفطرته كريم بطبعه استمد ذلك الشيء من ديننا الحنيف ومن عروبتنا الأصيلة، ودليل ذلك ما كان يقدمه ولا يزال من عطاء متدفق في داخل المملكة وخارجها، وتتنوع البرامج وأعمال الخير، ولعل العطاء في برنامج (فرجت) لهو دليل على أن هذا الشعب تربى على مبادئ الشريعة الإسلامية، وحب الخير والمسارعة إليه، وأنه لمن الواجب تشجيع الناشئة وتحفيزهم منذ وقت مبكر على الأعمال الخيرية والتطوعية. وأتصور أن قلة الدعم في الآونة الأخيرة التي يراها البعض لها سبب آخر هو تغير مسار الإعلام والذي اتجه بالجمهور لأمور أخرى بعيدة عن تلك التي كانت تحفز الناس قديماً على العطاء بلا حدود، ومع ذلك يبقى الخير في أمة محمد إلى قيام الساعة.
وللعطاء لذة
ويشير الأستاذ مرزوق بن سعيد العويمري من الجامعة العربية المفتوحة إلى أن العمل التّطوعيّ ركيزة من الرّكائز الهامة لرفعة الوطن وإنماء المُجتمعات، ونشر قيم التّعاون والترابط بين النّاس، ومن الواجب تنميته وترسيخه في أوساط المجتمع الذي يتميز بخصوصية إسلامية تحث وتعين على كل خير وتعاون، ولكونه سلوكاً إنسانيّاً فريداً يدل على مقدار عالٍ من العطاء والبذلِ وحبّ الخير للإنسانية جمعاء، جاء في الحديث النبوي الشريف أنّ: (مَثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم، مَثلُ الجسدِ. إذا اشتكَى منه عضوٌ، تداعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى)، وليس أبلغ من تشبيه كهذا، فللتعاون والتكافل في المجتمع العديد من الآثار التي تعود على المجتمع بالإيجابيات والخير، وللعطاء لذة لا يعرفها إلا من مد يد العون وساعد المحتاج وتطوع بماله ووقته وجهده في خدمة المجتمع، تذكر دائماً بأن هناك محتاج ينتظر من يساعده انظر حولك تفقد أقاربك ثم جيرانك وللوطن والمواطن عليك حق أن كنت تستطيع لا تبخل فأن بالتطوع حياة.