د. محمد بن يحيى الفال
قيل في الأمثال بأن الشدائد تبين معادن الناس والكيفية التي يتعاملون بها مع الشدائد نفسها بادئ القول، ومع ما ينتج عنها في فترة لاحقة، وحتى لا يكون القول مُرسلاً بلا مثال واضح له فإن ما يتعرض له مطار أبها من جرائم حرب بطائرات مُسيرة من قبل عصابة الحوثي الإجرامية المدعومة من قبل نظام الملالي الكهنوتي من ألفها إلى يائها لهو أنصع مثال وذلك على محورين، أولهما مستوى الدناءة والحقارة الذي وصلت إليه هذه العصابة التي لم تستثن من جرائمها منشأة مدنية بحتة تستخدم من قبل المسافرين المدنيين، المستوى الآخر من الحدث نراه في الحكمة والصبر والتأني من قبل قيادة وحكومة وشعب المملكة في مواجهة مثل هذا الفعل الإجرامي الشنيع الذي استهدف مطاراً مدنيا يستعمله الآلاف من المدنيين على مدار الساعة وسبقه كذلك استهداف مطار نجران المدني ومنشآت نفطية ليس لها صبغة عسكرية بأي شكل من الأشكال. ولم نر نتيجة هذه الجرائم مواقف تضر بمصلحة اليمنيين سواء من قبل الحكومة أو الشعب السعودي ضد الجالية اليمنية المقيمة في المملكة التي تضع المملكة إعادة الشرعية لموطنها من أهم ما تسعى إليه من خلال التحالف العربي ونرى في سماحة ونُبل الشعب السعودي الذي لم يأخذ الإخوة اليمنيين بجريرة وجريمة عصابة الحوثي، فهم ينظرون للجالية اليمنية كأشقاء لن يكدر صفة إقامتهم في بلدهم الثاني المملكة جرائم عصابة الحوثي الإيرانية.
ولعله ومن نافلة القول إن للمملكة حقًا مشروعًا وأصيلاً في الدفاع عن نفسها وبكل الوسائل المشروعة التي تكفلها لها التشريعات والقوانين الدولية، كان بمقدور المملكة ولم تفعل وتقديراً للروابط الأخوية التي تراها المملكة فوق كل اعتبار آخر وذلك بأن تقوم بالتضيق على الإخوة اليمنين العاملين والمقيمين في المملكة وهو أمر فعلته الكثير من الدول خلال فترات الحروب بكونها فترات استثنائية تتطلب إجراءات استثنائية تتعلق بالأمن القومي، وهو ما اضطر الولايات المتحدة الأمريكية وخلال حربها مع اليابان التي تبعد عنها الآلاف من الأميال ومع ذلك وضعت الآلاف من المواطنين الأمريكيين من أصول يابانية في معسكرات اعتقال أو مناطق عزل بلغت عشرة معسكرات كان أشهرها معتقل «مانسانار» وذلك بحجة الخوف من تعاونهم من اليابان بلد أصولهم العرقية. لم تفعل المملكة مثل هذا الإجراء أو أي إجراء آخر ينتج عنه زيادة معاناة أشقائنا وأخوتنا اليمنيين، بل بالعكس من ذلك تماماً فما قامت به لم يسبق لدولة في تاريخ الصراعات والحروب أن تقوم بمثله أو جزء منه بداية بإطلاق مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الذي أطلق مع بداية الحرب وأنشأ في الأساس لتخفيف معاناة المدنيين من آثار الحرب، وبعد انطلاق الحرب بفترة قصيرة تم تصحيح الوضع القانوني لعشرات الآلاف من اليمنيين وعائلاتهم وسُمح لهم بالعمل بدون عوائق وذلك لتمكينهم من رعاية أهاليهم وذويهم في اليمن بعد أن أطبقت عصابة الحوثي عل كل مقدرات البلاد الاقتصادية وجعلتها وقوداً لمغامرتها الدنيئة في الاستيلاء على اليمن وتسليمه واهله لحكومة الملالي الإرهابية للتحكم فيه وفي الممرات المائية الدولية والتي لا تخدم دول المنطقة بل العالم أجمع بكونها أحد أهم منافذ الطاقة للعالم أجمع. ولم تكتف المملكة بكل هذا بل قدمت منحة مالية كبيرة جداً لمنظمة الصحة العالمية لمواجهة تفشي وباء الكوليرا في اليمن والذي كان السبب الرئيسي في تفشيه هو غياب الرعاية الصحية الأولية بسيطرة عصابة الحوثي على المنشآت الطبية الرئيسة في اليمن وتحكمها في طرق إيصال الأدوية والمساعدات، فتمررها لمن يعلنوا الولاء لها مضطرين وتحجبها عمن لم يقم بذلك. المملكة وقبل أن يكون هناك صراعاً في اليمن قدمت مئات المليارات من الدولارات للتنمية في اليمن وذلك على مدار عقود عدة، وقد آن الأوان بأن تعد الجهة المسؤولة في المملكة كتاباً أبيض يُعرف العلم بجهود المملكة التي قدمتها وتقدمها لليمن الشقيق على مدار العقود الماضية يوزع على الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وكافة المؤسسات الدولية ذات العلاقة بأعمال التنمية والإغاثة وهي مساعدات تقدمها المملكة لأشقائها في اليمن بلا منة وبلا هدف سياسي بل انطلاقًا من روابط الأخوة والنسب والجيرة التي تربط الشعبين السعودي واليمني مع بعضهما البعض. ولجعل تنمية اليمن أحد ثوابت السياسية الخارجية السعودية فقد أطلقت ومنذ عقود برنامجًا لتنمية وإعمار اليمن وما زال البرنامج قائماً ويعمل حتى مع الظروف غير المواتية بسبب الحرب وذلك انطلاقا من قناعة قيادة المملكة بأهمية البرنامج وبأن أمن واستقرار اليمن يصب في مصلحة أمن واستقرار المنطقة بأسرها.
أفرزت الحرب في اليمن ليس فقط بواكي مأجورين إعلاميًّا كما هو حال قناة الجزيرة القطرية ومواقع مدفوعة الأجر من قبل الحكومة القطرية مثل الموقع البريطاني الإلكتروني ميدل إيست آي (Middle East Eye)، أو الموقع الإلكتروني الأمريكي ذا انترسبت «The Intercept» أو الصحيفة الأمريكية المُسماة ذا هيل «The Hill»، التي بالكاد توزع العشرات من النسخ يومياً وبالمجان، البواكي الآخرون الذين تزامنت بكائياتهم عن الوضع في اليمن مع بكائيات الإعلام المؤدلج هو ما يصدر من تقارير مثيرة للشفقة من المنظمات التي تزعم أنها تهتم بحقوق الإنسان، والإنسان وحقوقه براء من هذه المنظمات المُسيسة براءة الذئب من دم ابن يعقوب. وكما أن الشدائد توضح معدن الناس فهي كذلك توضح بجلاء الصديق من العدو، وما انفكت هذه المنظمات ومنذ زمن في بث أحقادها وتقاريرها المضللة عن المملكة ولقد وجدت في الحرب في اليمن ضالتها في بث المزيد من الأكاذيب والترُهات التي لا يصدقها عاقل، وأضحت هذه المنظمات بوقاً لعصابة الحوثي الإجرامية وعلى رأس هذه المنظمات المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وكل من منظمة العفو الدولية التي تتخذ من لندن مقراً لها ومنظمة هيومن رايتز وتش التي مقرها نيويورك. تناست عمداً هذه المنظمات إدانة الطرف المعتدي في الحرب والمسبب لها عصابة الحوثي، وإذا انتقدته فيكون ذلك نادراً أو على استيحاء وتناست حقوق غالبية اليمنين وما يتعرضون له من قتل وتدمير وتفش للأمراض والمجاعة بسبب عصابة الحوثي التي صدر بحقها العديد من القرارات الدولية التي تدينها والتي أهمها القرار 2216 الصادر عن مجلس الأمن بأغلبية ساحقة (14) وامتناع الاتحاد الروسي عن التصويت، القرار الذي صدر بتاريخ 14 أبريل 2015 وبنوده الخمسة عشر، صدر بعد أقل من شهر واحد فقط من انطلاق عاصفة الحزم التي قامت الدبلوماسية السعودية لإقراره بجهد كبير وعمل دؤوب لتيقُّن قيادة المملكة بأنها تواجه عصابة ليس في فقه مبادئها، الإنسان أو حقوقه، ولو كان العالم مُلتزمًا بتنفيذ القرارات الدولية لانتهت الحرب في حينها. لم يُعان الإخوة الأشقاء في اليمن وحدهم من جرائم عصابة الحوثي بل امتدت المعاناة أيضًا للمواطنين السعوديين والمقيمين الذين جُلهم من الإخوة اليمنين على الشريط الحدودي مع اليمن مما جعل الدولة وحفاظاً على سلامتهم بإجلائهم من القرى الحدودية إلى أماكن أكثر أماناً، وكلفت هه العملية خزينة الدولة الملايين من الريالات إضافة إلى شعور الكثير منهم بالحزن بتركهم حقولهم وبيتوهم ومناطقهم التي نشأوا وترعرعوا فيها، فأين منظمات حقوق الإنسان المزعومة بما فيها المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة من معاناة هؤلاء التي لم يصدر عنها حتى بياناً واحداً من قبلها ولو لذر الرماد في العيون فقط!!!؟
لقد قدمت المملكة بسخاء نادر لا مثيل له معونات لدول ومنظمات في كافة أرجاء المعمورة ومن هذه المنظمات منظمة الأمم المتحدة وكافة الوكالات العاملة تحت مظلتها، ومن المهم هنا أن تتم مُراجعة هذه المعونات وإعادة البت فيها وحصرها في المعونات الضرورية فقط والملحة ولبعض وكالات الأمم المتحدة وذلك بأن اتضح للجميع بأن هناك توجهاً لدى بعض الهيئات التابعة للأمم المتحدة وعلى رأس ذلك الهيئة المُسماة بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة من توجه معادٍ للملكة في الكثير من القضايا. محصلة ما نراه من أكاذيب وضلالات من منظمات حقوق الإنسان المزعومة في الحرب في اليمن وفي قضايا أخرى تكون المملكة طرفاً فيها بشكل مباشر أو غير مباشر يؤكد لنا حقيقة بأن الشجرة المُثمرة هي التي تُرمى بالحجارة، ومع قول ذلك ستبقى المملكة شجرة مثمرة وهو أمر تفتخر وتعتز به، بيد أنها لن تسمح مطلقاً لأي معتد بالمساس بأمنها وباستقرارها بقيادة وشعب متحدين للمضي قدماً بالمملكة نحو آفاق من الازدهار والتقدم من أجل الاستمرار بدورها المحوري في استقرار الأمن والسلم الدوليين.