مها محمد الشريف
إننا نعيش في مجتمع واعٍ، يحافظ على آثار ما كان موجوداً من قبل، ويعمل الكثير من أجل صيانتها وترميمها، وبهذا الحرص ظلت المعرفة التاريخية مواكبة للعصر الحديث، فالسعودية اليوم مع هذه التشكيلة الاجتماعية تقدم جزءًا من ثقافتها وتراثها من خلال 150 متحفاً من بينها 22 متحفاً حكومياً، فيما تتبع بقية المتاحف قطاعات ثقافية وتعليمية متفرقة في أنحاء المملكة.
لهذا نقول إن استراتيجية وزارة الثقافة تواكب المشهد الثقافي العالمي، حيث وجد هذا العمل المنهجي الأثر التاريخي كوثيقة دالة على المستوى الواقعي بشكل أساسي لفهم الماضي، وبشكل عام تقدمت المتاحف السعودية المشهد عبر مقتنياتها الزاخرة بتاريخ شبه الجزيرة العربية عبر عصور أو حقب متدرجة ومتلاحقة تواكب التراث السعودي المعاصر، ومتاحف المستقبل لتبقى طبيعة التقابل الموجود بين المعرفة بالماضي والمعرفة بالحاضر.
فكل ماض هو ماض مستحضر مبني على المعرفة والتنقيب تدركه الأجيال عبر منطق التاريخ وسيرورته، وجاء تأسيس وزارة الثقافة في الثاني من يونيو عام 2018م، ليؤكد حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-، على أهمية القطاع الثقافي في المملكة والكشف عن معطيات أساسية توجد بين الإنسان والعالم في المشهد الثقافي.ولأن الإنسان هو المحرك للتاريخ يحرص بطبعه على التراث ويساهم في الحفاظ على حقيقة هذا الترابط والتفاعل بين العلم والفكر التاريخي، والوزارة تعمل على إنشاء الشراكات الثقافية والأنشطة المشتركة مع الدول الأخرى، وهذه الدولة بتاريخها العظيم جديرة بأن تشارك الأمم حضاراتها، والعمل مع الشركاء على التبادل الثقافي وحسب إمكانات متاحة لتعريب منتجاتهم الثقافية، وتمكين المجتمع من البرامج المقدمة، فضلاً عن مشاركة المملكة في المحافل الثقافية العالمية، وعرض الإبداعات والأعمال الفنية والثقافية السعودية.
من هنا تأتي أهمية المتاحف في هذه المشاركات ضمن فضاءات خارجية تقدم محتوى ثري كمتحف الحرمين الشريفين، حيث تنبثق أهميته من قدسيته في قلوب المسلمين، إذ يزوره ملايين الحجاج والمعتمرين وحضور مكثف لمشاهدة نقطة الوصول التي لا تتوقف عند نقطة التاريخ وتعيد بناء الحقائق القديمة مواكبة التطورات المعاصرة على أنها ذاك السيل المتدفق الذي لا ينضب ولا يتوقف، والتعرف على تاريخ الحرمين الشريفين منذ قرون عديدة، ومشاهدة مراحل متتابعة في عمارة الحرمين الشريفين.
في إطار رؤية وزارة الثقافة وتوجهاتها نحو 16 قطاعاً، تبدأ بالاهتمام بالمتاحف والتراث، واللغة العربية، وكذلك الأفلام والعروض المرئية والموسيقى، إضافة إلى الشعر والفنون البصرية، والمكتبات، والتراث الطبيعي والأزياء والفنون الأدائية والمهرجانات، إضافة إلى الكتب والنشر والعمارة والتصميم والمواقع الثقافية والأثرية والطعام وفنون الطهي.
في هذا السياق، تحضر الرؤية بكل أهدافها وواقعها التي تساهم مساهمة أساسية لتمكين المشهد الثقافي، وحقيقة بناء مستقبل يعتز بالتراث ويفتح للعالم منافذ جديدة ومختلفة للإبداع والتعبير الثقافي، حيث تتطلع الوزارة إلى الإسهام في ازدهار القطاع الثقافي، وحقيقة مفادها يعتبر مكسباً إيجاباً في تعزيز الهوية الوطنية، في ظل التجاذبات والتطلعات نحو النمو الاقتصادي والاستثمار في الإنسان، فالمعطيات الواقعية التي تنظم فرص العمل وبناء العلاقة بين المؤسسة والأفراد هي في مفهومها تقوية النسيج الاجتماعي، ورفع مستوى العطاء لتحقيق السعادة.
ولعل المعيار المتمثل في ضرورة التحولات التي يحملها الزمن معه لأهميتها على تحقيق الاستمرارية في الحراك الثقافي للمملكة، وإيصاله إلى آفاق واسعة تخضع لتغييرات مؤثرة تتأسس على البعد الأخلاقي والحقوقي للشخص بوصفه ذاتا مسؤولة تعي أهمية التعايش والحوار والسلام، وذلك وفق خطى تليق بتاريخ وإرث وتقاليد تحافظ على الهوية الثقافية، وتفخر بحضارتها إلى جوار حضارات العالم.
من هنا يكون دور الإعلام أساسي في النقل وتحمل مسؤولية التحولات، وتفعيل دوره حول الأهمية التاريخية للتراث والهوية الحضارية للمدن، والتوعية بالقضايا التراثية وضرورة الحفاظ على التراث والعادات والتقاليد وتقديم منتج متميز بأدوات وآلية جديدة ومشوقة في ظل التغيرات العالمية، وتعزيز المحتوى بتقنية حديثة تنقل التراث الحضاري والثقافي والمباني التراثية والأثرية للعالم.